Loader
منذ 3 سنوات

شرح قاعدة والأمثلة لها: قاعدة ارتكاب أخف الضررين


الفتوى رقم (7109) من المرسل السابق، يسأل عن آخر القواعد، قول: قاعدة ارتكاب أخف الضررين.

الجواب:

        هذه القاعدة هي قسمٌ من أقسام تعارض المصالح والمفاسد، فقد يكون الشيء مصلحةً محضة، أو يكون مصلحةً راجحة، وهذان القسمان لا إشكال في مشروعيتهما، فالتوحيد والإيمان هذا مصلحةٌ محضة لا يشوبها شيءٌ فلا إشكال فيه.

        والمصلحة الراجحة إذا كان في الشيء جانب مفسدة قليلة وكان فيه مصلحةٌ عظيمة؛ مثل: المشاق التي تقترن بالأعمال التي يؤديها الإنسان، وتكون هذه المشاق معتادةً؛ مثل: ما يحصل من المشقة في الجهاد، وما يحصل من المشقة في أداء العمرة وفي أداء الحج، فحينئذٍ بالنظر إلى الجهاد قد يحصل على الإنسان فوات نفسه، وقد يحصل عليه فوات عضوٍ من أعضائه، أو منفعةٍ من منافع بدنه، وهو مأجورٌ على ذلك كله؛ ولكن المصلحة الغالبة وهي حماية البيضة هذه صارت هي الراجحة.

        فالمقصود إذا تعارضت المصلحة والمفسدة وكانت المصلحة هي الراجحة فتعتبر المفسدة كأنها غير موجودة، وقد يكون الشيء مفسدةً محضة؛ كالشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر؛ كل هذه مفاسد محضة، ولهذا إذا مات الإنسان عليها يكون خالداً مخلداً في النار فهذه مفاسد محضة، وقد يكون الشيء مفسدة؛ يعني: يشتمل على مفسدةٍ راجحة ومصلحةٍ مرجوحة، يقول الله -جل وعلا-: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا"[1] فالنفع مصلحة؛ ولكن الضرر الذي يحصل منه وهو المفسدة هذا أرجح من المنفعة، ولهذا حرّمه الله -جل وعلا- وكأن المنفعة غير موجودة، فهذان قسمان مضافان إلى القسمين السابقين فتكون الأقسام أربعة. وفيه -أيضاً- تعارض المصالح فقط، وتعارض المصالح لها تارة تكون المصلحة راجحة، وتارةً تتعارض المصالح وتتساوى في نظر الشخص، فإذا كانت إحدى المصلحتين راجحة وفيه مصلحةٌ مرجوحة ولا بدّ من ارتكاب أحدهما فإنه يأخذ بالمصلحة الراجحة ولو فاتت المصلحة المرجوحة، وإذا تساوت المصالح في نظره فإنه يكون مخيراً، فهاتان صورتان مضافتان إلى الصور الأربع فتكون الصور ستاً.

        وقد تتعارض المفاسد فتكون المفسدة راجحة على مفسدةٍ أخرى، ولا بدّ من ارتكاب إحدى المفسدتين فحينئذٍ يرتكب المفسدة الصغرى وذلك من أجل دفع المفسدة الكبرى، وقد تتساوى المفاسد ولكن يضطر الشخص إلى ارتكاب إحدى المفسدتين وحينئذٍ يكون مخيراً. هاتان صورتان مضافتان إلى ما سبق.

        يبقى بعد ذلك صورة مهمة جداً وهي ما إذا كانت المصلحة مساوية للمفسدة في نظر الشخص باعتبار من وقع عليه أو في نظر المجتهد، فهذا يقال فيه: درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، ومعنى ذلك أنه يتوقف عن ذلك، وصورتان للمصلحة المحضة والراجحة، وصورتان للمفسدة المحضة؛ وكذلك المفسدة الراجحة، وصورتان لتعارض المصالح، وصورتان لتعارض المفاسد، وصورة واحدة لتعارض المصلحة والمفسدة مع التساوي. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (219) من سورة البقرة.