Loader
منذ 3 سنوات

حكم ترك الحاج المبيت بمنى ليلة عرفة وليالي التشريق، والخروج من مكة في اليوم الحادي عشر بسبب ظروف العمل


الفتوى رقم (1465) من المرسل م. ع.م من الطائف، يقول: وفقني الله سبحانه وتعالى لأداء فريضة حج عام 1406 مع زوجتي ووالدتي، ونظراً لظروف عملي فلقد توجهت مع زوجتي ووالدتي إلى عرفات مباشرة ظهر الثامن من ذي الحجة، وبتنا بعرفات بدلاً من منى، وظللنا بعرفات إلى بعد غروب شمس اليوم التاسع، ثم ذهبنا إلى المزدلفة وبِتنَا بها وصلينا الفجر، ثم توجهنا إلى منى ورمينا جمرة العقبة وقصّرنا وحلقنا الشعر، وكنا قد اشترينا سندات الأضاحي من الراجحي وتحللنا التحلل الأول، ثم توجهنا إلى مكة المكرمة وطفنا طواف الإفاضة وتحللنا التحلل الأكبر، وبتنا في مكة المكرمة بدلاً من المبيت بمنى، وغادرت مكة المكرمة صباح اليوم التالي الحادي عشر إلى مقر عملي مع زوجتي، وتركت والدتي مع أخيها في مكة المكرمة، ووكلتهم لإكمال الرجم عني وعن زوجتي، وقد بقيت أمي مع خالي في مكة المكرمة حتى نهاية الحج، ولم يُبيّتوا بمنى على الإطلاق؛ بل كانوا يتوجهون لرمي الجمرات في منى، ثم يعودون للمبيت في مكة المكرمة، وظلوا كذلك حتى غادروا السعودية عائدين إلى بلادنا, نرجو أن تتفضلوا ببيان حكم الشرع في صحة حج كلٍّ منا، وكذلك وجوب الذبح من عدمه للمخالفات التالية التي قمنا بها مع علمنا بذلك:

        التوجه مباشرة إلى عرفات والمبيت بها بدلاً من المبيت بمنى، وصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم فجر اليوم التاسع في أول الحج.

عدم العودة إلى منى بعد طواف الإفاضة والمبيت بها حتى إتمام الرجم.

الاكتفاء برجم جمرة العقبة، والتوكيل في باقي الرجم.

مغادرة مكة المكرمة بدون طواف الوداع، عدم المبيت بمزدلفة والاكتفاء بالتوقف للصلاة، والتقاط الجمرات مثلما فعل خالي.

النحر قبل الذهاب إلى منى والوقوف بعرفات مثلما فعل خالي وإخوانه الحجاج من مصر؟

وكما ذكرت لكم فقد حالت ظروف عملي دون إكمال المراسم على الوجه الأكمل، حيث مُنحت إجازة لمدة ثلاثة أيام فقط.

الجواب:

        من المعلوم أن الشخص إذا دخل في حجٍ أو عمرة، فهو مأمور بإتمامه؛ لقوله -تعالى-:"وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ"[1]، فيأتي بأركانه وشروطه وواجباته، ويتقيد بسنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- المبينة لما جاء في القرآن من الأدلة الدالة على مشروعية الحج ومشروعية العمرة، وقد بيّنهما الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بأقواله وأفعاله وتقريراته، وهذا هو الأصل.

        وإذا عُلم هذا الأصل فقد حج رسول الله ﷺ حجة الوداع، وكان يُكثر من قوله: « خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ».

        وكان من هديه ﷺ أنه خرج إلى منى في اليوم الثامن وصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء أو الفجر، وذهب إلى عرفة بعدما طلعت الشمس من اليوم التاسع، وقد قرر العلماء أن البقاء في منى اليوم الثامن؛ وكذلك ليلة التاسع أن هذا من سنن الحج، وليس من أركانه ولا من شروطه، فأنت في عملك هذا أخللت بالسنة التي فعلها الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- وأمر الناس أن يفعلوها؛ ولكنها ليست بمُخلة في الحج؛ لكن فاتك ثواب بقائك في منى في اليوم الثامن وليلة التاسع.

        وأما ما يتعلق بعملك بمزدلفة أنت وزوجتك، فإنك قد ذكرت أنك لم تبت في مزدلفة، فإذا كنت لم تَبت بمزدلفة وأنت قد انصرفت من عرفة بعد غروب الشمس، فقد تركت واجباً من واجبات الحج؛ لأن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- بات في مزدلفة ليلة العيد، وأذن للضعفاء الذين كانوا معه أن يدفعوا في آخر الليل، وبقي هو وجماعة معه كثيرون بقوا معه، وصلى بها الفجر، ووقف يذكر الله -جلّ وعلا- عند المشعر الحرام، فقد تركت هذا النسك، وهو واجب من واجبات الحج، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: "من ترك نُسكاً فعليه دم"، وهذا لا يُعلم بالاجتهاد؛ بل يُعلم بالتوقيف.

        وبناءً على ذلك، فعليك فدية لترك الواجب، وعلى زوجتك فدية لترك واجب المبيت بمزدلفة.

        أما ما يتعلق بمبيتك بمكة وترك المبيت بمنى، فأنت بِتّ في مكة ليلة إحدى عشرة وسافرت؛ يعني: تركت المبيت ليلة اثنتي عشرة أنت وزوجتك، والمبيت بمنى ليلة إحدى عشرة واثنتي عشرة لمن تعجّل، أو ليلة إحدى عشرة واثنتي عشرة وثلاث عشرة لمن لم يتعجّل واجب من واجبات الحج وقد تركته، وذكرت في سؤالك أنك تركته عمداً مع معرفتك الحكم؛ فحينئذٍ يكون عليك فدية أخرى، وعلى زوجتك فدية أخرى بالنظر إلى ترك المبيت بمنى.

        وأما ما يتعلق بتوكيلك في رمي الجمار، فأنت وكّلت في رمي الجمار، ولعله يُجزِئُك ذلك بالنسبة لك وبالنسبة لزوجتك.

        وأما تركك لطواف الوادع فيجب عليك -أيضاً- فدية ثالثة، ويجب على زوجتك إذا كانت زوجتك ليست بحائض ولا نُفساء؛ لأنها إذا كانت حائضاً أو نُفساء، فإنه يسقط عنها طواف الوداع، فإن لم تكن حائضاً أو نُفساء فيجب عليها فدية كما يجب عليك أنت، فوجبت عليك فدية في ترك المبيت بمزدلفة، وفدية بالنظر إلى ترك المبيت بمنى، وفدية بالنظر إلى ترك طواف الوداع، هذه ثلاث بالنسبة لك، وبالنسبة لزوجتك ثلاث.

        والفدية هذه تُذبح في مكة، وتكون مُجزئة في الأضحية، وإذا لم يستطع الفدية فإنه يصوم عن كلّ واحدة عشرة أيام.

        أما ما ذكرته من والدتك ومن الرفقة الذين كانوا معها، فمن عمل مثل عملك، فعليه من الحكم مثل الذي عليك. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (196) من سورة البقرة.