Loader
منذ 3 سنوات

السؤال عن عدد الركعات في صلاة القيام


  • الصلاة
  • 2021-09-18
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1541) من المرسل ق. ع. ع. ح، من اليمن – تعز يسأل بطريقته الخاصة عن قيام رمضان، ذلك أنه قرأ كثيراً عن هذه النافلة؛ ولاسيما في كتاب الأذكار، وفي كتاب الشيخ سيَّد سابق فقه السنة. ويرجو التوضيح حول ما وَرَد في الكتابين الكريمين، وعن عدد الركعات.

الجواب:

        هذه المسألة من المسائل التي تتعلق بصلاة التطوع، والأصل في هذه الصلاة ما صَدَر من رسول الله ﷺ؛ فإن الرسول ﷺ في غالب أحواله ما كان يزيد على ثمان ركعات، ثم بعد ذلك يصلّي ركعتين شفعاً ويصلّي ركعة ًوتراً، فكان يصلّي إحدى عشرة ركعة، وهذا هو الغالب من فعله ﷺ لا في رمضان ولا في غيره، كما ثَبُت ذلك عن عائشة رضي الله عنها. وفي بعض أحواله كان يصلّي ثلاث عشرة ركعة، وهذا أقل من الذي قبله. ثم إن عمر رضي الله عنه بعد وفاة الرسول ﷺ جمع الناس على إمامٍ وصلّى بهم عشرين ركعة، ثم صلى ركعتين شفعاً، وصلى واحدة وتراً، واستمر الناس على ذلك، ولم يُعارِضه أحد من الصحابة رضي الله عنهم.

        ومن المعلوم أن الصلاة يُنظَر فيها من جهة الكم، وينظر فيها من جهة الكيف.

        فأما من جهة الكم فالمقصود به العدد؛ وأما من ناحية الكيف فمن جهة طول القراءة، وطول الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود والجلسة بين السجدتين، فقد يصلّي ركعتين من جهة الكيف تساوي عشر ركعات من جهة العدد، فالرسول -صلوات الله وسلامه عليه-كان في صلاته يُطِيل القراءة والركوع والاعتدال بعد الركوع؛ وهكذا في سائر الصلاة، وليس كلّ شخص يتحمَّل بمفرده ما يتحمله الرسول ﷺ فكيف إذا صلّى الناس جماعة ً، وقد قال ﷺ:« فمن صلى بالناس فليُخَفِّف، فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة »[1]، ولهذا عمر رضي الله عنه راعى هذا الجانب، فجعل الإمام يصلّي عشرين ركعة؛ لأن فيها مراعاة لأحوال الناس، وقد ثبت عن رسول الله ﷺ أنه قال:« عليكم بسُنَّتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي »، وقال ﷺ:« اقتدوا باللذَيْن من بعدي أبي بكرٍ وعمر »[2]

        وبناءً على ما سبق فإن الأمر في هذا واسع، فمن صلّى إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، أو تسع ركعات، أو صلى ثلاثاً وعشرين ركعة، أو زاد على ذلك؛ فالأمر فيه واسع؛ ولكن الشيء الذي يحتاج إلى تنبيه بهذه المناسبة، وهو من الأمور التي يُؤسف لها أن كثيراً من الأئمة يقتدون بالرسول ﷺ في صلاته من ناحية العدد، فيصلون إحدى عشرة ركعة؛ ولكن لا يقرؤون قراءة مرتَّلة، ولا يَطمَئِّنون في ركوع، ولا في سجود، ولا في الجلوس بين السجدتين، ولا في سائر الصلاة، فيقرأ الواحد منهم صفحة ستة عشر سطراً يقسمها في التسليمة، وبهذا يصلّي ويقرأ في جميع صلاته ورقتين ونصف، إذا صلّى خمس تسليمات ثم بعد ذلك صلّى الشفع والوتر. وإذا أنكرت عليه قال: الرسول ﷺ صلّى ثلاث عشرة ركعة، وأنا أقتدي بالرسول ﷺ، فهم يقتدون بالرسول ﷺ من جهة العدد؛ ولكنهم لا يقتدون به من جهة كيفية الصلاة، وهذا في الحقيقة محل ملاحظة، وقد أقبل رمضان شرَّفه الله، وتقبله منَّا ومن جميع المسلمين، وأعاننا جميعاً على صيامه وقيامه -فعلى كلّ إمام أن يتقي الله في نفسه في جميع أموره؛ وبخاصة هذه العبادة بالنظر إلى أنها مَورِد سؤالٍ الآن، فعليهم أن يُؤدوا هذه الصلاة على الوجه الذي تَبرَأُ به ذمتهم أمام الله -جلّ وعلا-، وألّا يتساهلوا فيها من جهة القراءة، أو  عدم الاطمئنان في الركوع والسجود وما إلى ذلك؛ وأما من ناحية العدد فكما سبق الكلام عليه الأمر فيه واسع؛ ولكن مَحَكُّ الأمر في كيفية الصلاة التي يصليها الشخص.

        فالحاصل أن كلّ إمام عليه أن يتقي الله، وأن يؤدي هذه العبادة على الوجه المَرضِي. وبالله التوفيق.

        المذيع: ذكرتم شيخ عبد الله أن الناس وقعوا بين التفريط والإفراط في هذا الموضوع، حبذا لو ذكرتم القول الوسط في هذا.

        الشيخ: أما من ناحية الإفراط، فبعض الأئمة قد يكون عنده محبة للخير؛ ولكن لا ينظر إلى ظروف الجماعة الذين معه، فيشُّق عليهم في القراءة وإطالة الركوع والسجود؛ حتى يتخلوا عن المسجد ويلجؤوا إلى الصلاة في مسجد آخر، وقد وقع من بعض الأئمة وحصل من جماعته أنهم تخلفوا عنه ولم يبقَ معه إلا اثنان أو ثلاثة، وهذا فيه إفراط، فالشخص عندما يريد أن يصلّي بنفسه فله أن يُطِيل على قدر طاقته؛ أما إذا كان إماماً، فعليه أن يُسلك مسلك العدل.

        وأما بالنسبة للتفريط فهم الذين يقصِّرون ويبخسون صلاتهم، يسرقونها من جهة يقلِّلون القراءة ولا يطمئِّنون في ركوع، ولا سجود، ولا جلوس بين السجدتين؛ بحيث إن الشخص الذي يقتدي بالإمام لا يستطيع أن يُتابِعَه وأن يؤدي حقوق الصلاة، فالأول مُفْرِط، والثاني مُفَّرِّط.

        وأما طريقة العدل في هذا، فالطريقة المعتدلة أن الشخص يقرأ في الليلة جزءاً من القرآن، فإن صلّى عشر تسليمات يقرأ في كلّ ركعة وجهاً من القرآن: ستة عشر سطراً في المصاحف أو في بعض المصاحف الموجهة. وإن صلّى أربع تسليمات يقرأ في كلّ ركعة ثُمناً، فيقرأ في التسليمة ربع جزء؛ هذه هي القراءة المعتدلة.

        وأما بالنسبة للركوع وما يُقال فيه من التسبيح؛ وكذلك بالنسبة للسجود، فإنه إذا ركع كما قال الرسول ﷺ يركع حتى يطمئن راكعاً؛ وهكذا بالنسبة لسجوده؛ يعني: يركع ويسجد حتى يحصل منه الاطمئنان؛ وهكذا بين السجدتين، وإذا أطال الركوع نسبياً إلى حدّ أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع عشر مرات، وفي السجود يقول: سبحان ربي الأعلى عشر مرات، ويدعو بالدعاء الوارد بين السجدتين ثلاث مرات؛ يكون بهذا قد صلّى صلاة يطمئن فيها وتَبْرَأُ بها ذمته؛ وهذا هو الوسط. وبالله التوفيق.

        المذيع: المأمومون يطلبون الإيجاز رغم أن بعض الأئمة لديه من الفقه، وهو يسير على الطريقة التي تفضلتم وقلتم: إنه الطريق العدل.

        الشيخ: إذا كان المقصود من هذا الإيراد هو ما يطلبه بعض المأمومين من الأئمة من جهة التخفيف، فالمأموم ليس هو المسؤول عن الإمامة، الإمام هو المسؤول عنها، فالإمام ضامن؛ وأما المأموم فليس عليه إلا الاقتداء. وطلب المأموم قد يكون فيه إفراط، وقد يكون فيه تفريط، وقد يكون فيه عدل، فلا بدّ من النظر في حقيقة الطلب، فإن كان من باب الإفراط فيطلب من الإمام أن يزيد زيادة كثيرة في القراءة، أو يَعتَرِض على الإمام، فإذا كان اعتراضه على الإمام من جهة أنه لا يرى أن طريقة الإمام طريقة سليمة، فالمرجع في ذلك سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، وليس المرجع كلام الناس؛ أما إذا كان المأموم يحث الإمام على الإفراط، فلا ينبغي للإمام أن ينظُر إلى كلام هذا المأموم؛ لأنه ليس هو الشخص الوحيد الذي يصلّي مع هذا الإمام، فالجماعة كلهم مرتبطون بهذا الإمام؛ وأما إذا كان طلب المأموم من الإمام -وهو الكثير - من جهة التفريط يريد منه أن يخفف الصلاة حتى يخرج من المسجد لعمله؛ لأن بعض الناس إذا دخل المسجد ضاق صدره، ولا يتسع صدره إلا إذا خرج من المسجد! فحينئذٍ يكون طلبه هذا مردوداً، والإمام فيه بركة من جهة أنه يعلم سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، وبإمكانه أن ينبَّه الجماعة عموماً؛ وبخاصة إذا اعترض عليه عددٌ من المأمومين يطلبون منه التخفيف إلى درجة التفريط، عليه أن يُلقي كلمةً في المسجد ويبيّن سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- ويبيّن ما يتعلق بهذا الموضوع من الأحاديث التي ثبُتت عن رسول الله ﷺ قولاً وفعلاً؛ حتى يَرْتَدِع المتكلم، ويرتدع الناس الآخرون.

        وأما إذا كان طلب المأموم من الإمام طلباً وجيهاً من ناحية أن الإمام قد يسلُك مسلك الإفراط، وقد يسلك مسلك التفريط، ويكون المأموم طالب علم، فيطلب من الإمام أن يسير على الطريق الوسط؛ فهذا طلب وجيه، وعلى الإمام أن يأخذ بهذا الطلب؛ لأن الحق ضالة المؤمن متى وجدها فإنه يأخذ بها.

        ومما ينبغي التنبيه عليه أن يحصل تعصُّب من الأئمة، وقد يحصل تعصُّب من بعض المأمومين، فالتعصب لا يجوز؛ بل على الإنسان أن يتقيد بسنة الرسول ﷺ. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب الغضب في الموعظة والتعليم(1/30)، رقم (60)، واللفظ له، ومسلم في صحيحه، كتاب الصلاة، باب أمر الأئمة بتخفيف الصلاة في تمام(1/341)، رقم(467).

[2] أخرجه الترمذي في سننه، أبواب المناقب (5/609)، رقم(3662).