معنى حديث: « إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها... »
- الأمر
- 2021-06-17
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (243) من المرسل ع.أ.م.ع.ق مصري يعمل في القصيم في المملكة، يقول: عن ثعلبة الخشني رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال: « إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها »[1]، السؤال: ما الفرائض التي فرضت؟ وما الحدود التي لا نتعداها؟ وما الأشياء التي حرمها الله، والأشياء سكت عنها رحمة بعباده؟
الجواب:
هذا الحديث حديث عظيم، جليل القدر؛ لأن النبي ﷺ ذكر فيه ثلاث قواعد:
القاعدة الأولى: الأمور التي أمر الله بها.
والقاعدة الثانية: الأمور التي نهى الله عنها.
والقاعدة الثالثة: الأشياء التي سكت الله -جل وعلا- عنها.
فأما القاعدة الأولى: وهي الأشياء أو الأمور التي أمر الله بها، فهي بينة لمن تدبر كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ، ولهذا قال النبي ﷺ: « الحلال بَيِّن »[2]، وجاءت الأوامر في القرآن وجاءت في السنة.
ومن القواعد المقررة: أن الأمر إذا جاء في القرآن أو جاء في السنة، وتجرد عن القرائن التي تصرفه عن أصله، فهو يدل على الوجوب.
فجاء في القرآن والسنة فرض الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج إلى غير ذلك من الأمور التي شرعها الله -جل وعلا-، هذا فيما يتعلق بعبادة العبد لربه، وكذلك ما يتعلق بالمعاملات فيما بين الناس كالبيع والسلم والإجارة، وما يتعلق بالأحوال الشخصية، من النكاح وغير ذلك.
وجاء الأمر بتوحيد الله -جل وعلا-، وبالإيمان به، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، فجاء بيان أركان الإيمان وبيان أركان الإسلام، وما يتبع ذلك من التفاصيل التي أمر الله
-جل وعلا- بها، وأمر بها رسوله ﷺ.
وقد يكون من هذه الأوامر ما يدل على الإيجاب كما سبق، وقد يكون منها ما يدل على الاستحباب؛ يعني يؤمر بها، ويكون الأمر فيها على سبيل الاستحباب، كنوافل العبادات، وكالرواتب التي يفعلها الإنسان، كالراتبة التي بعد المغرب أو الراتبة التي بعد العشاء، إلى غير ذلك من النوافل، ومن المستحبات التي جاء الأمر بها، هذا من جهة الأمر الأول، وهو باب الأوامر.
والقاعدة الثانية: باب النواهي، الله -جل وعلا- كما أنه لا يأمر إلا لمصلحة، فهو أيضاً لا ينهى إلا من أجل مفسدة تترتب على النهي.
والنواهي التي جاءت في القرآن، وجاءت في السنة، الأصل فيها أنها دالة على التحريم إذا تجرد النهي عن القرينة التي تصرفه عنه.
فقد جاء النهي عن الشرك بالله -جل وعلا-، وجاء النهي عن الزنا وعن شرب الخمر وعن قتل النفس بغير حق وعن أكل مال اليتيم، إلى غير ذلك مما نهى الله -جل وعلا- عنه، وهو بيِّن لمن تدبره في القرآن، ولهذا قال النبي ﷺ: « والحرام بين »؛ يعني أن من تدبر القرآن، وتدبر السنة، ونظر إلى المواضع التي أمر الله بها، وجد فيها الأشياء المشروعة، وإذا تدبر ما نهى الله -جل وعلا- عنه، وجد فيه الأشياء الممنوعة، كما سبق ذكر أمثلة لذلك.
وأما القاعدة الثالثة: وهي الأمور التي سكت الله -جل وعلا- عنها، فيتبين ذلك بالكلام عن أمور:
أما الأمر الأول: فهو أن القاعدة العامة في باب العبادات أن الأصل فيها هو المنع، فلا يقال: إن هذه عبادة مشروعة، لا من جهة أصلها، ولا من جهة كيفيتها، ولا من جهة أعدادها، لا يقال: إن هذه العبادة مشروعة إلا بدليل شرعي يدل على ذلك.
وعلى هذا الأساس، فيكون الأصل في العبادات هو المنع، ولهذا قال النبي ﷺ: « من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد »، وفي رواية « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ».
إذاً العبادات التي بيّن الله -جل وعلا- شرعيَّتها، وأضافها إلى المكلفين، كلٌّ بحسبه، وحدد مواقيتها، وأمكنتها، وأعدادها، وما لها من هيئات، إلى غير ذلك مما يتعلق بها من الأحكام، فحينئذ يتقيد المكلف بذلك على الوجه الذي شرعه الله -جل وعلا- وبينه رسوله ﷺ، وفي هذا يكون متبعا، ولا يكون مبتدعا.
الأمر الثاني، باب المعاملات، كالبيع والشراء وما إلى ذلك، فالأصل في هذا الباب هو الجواز، فلا يقال: إن هذه معاملة ممنوعة إلا بدليل شرعي؛ وذلك أن باب المعاملات باب واسع، وقواعده موضوعة في الشريعة وضعاً متكاملاً، إلا أن التطبيق على هذه القواعد جُعل إلى المكلفين.
فلا يصح أن يقال إن هذه المعاملة ليست بمشروعة إلا بدليل يدل على ذلك، فالأصل في باب المعاملات هو الجواز.
وعلى هذا الأساس: فما سُكت عنه من المعاملات يردّ إلى ما ذكر من المعاملات إذا صحَ إلحاق ما سُكت عنه بما ذُكر.
وأما الأشياء التي سكت الله عنها، فلم يشرعها أصلاً، أو سكت عنها رسوله ﷺ، فالأصل في هذه أنها معفو عنها، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا"[3]، ويقول النبي ﷺ: « وما سكت عنه فهو عفو »[4].
فإذاً نتقيد بالأمور التي جاءت في القرآن وجاءت في السنة، وما سكت الله عنه أو سكت عنه رسوله ﷺ، فلا ينبغي للمكلف أن يشق على نفسه أو أن يشق على عباد الله -جل وعلا-، فإن هذا فيه من الحرج والضيق على الناس ما فيه.
وهذا جواب مختصر؛ لأن الوقت المحدد للبرنامج لو استنفد في هذا، لم يكف إلى بعض الإجابة، ولكنني اقتضبت الإجابة اقتضابا.
وأنصح السائل بأن يرجع إلى تفسير قوله ﷺ: « الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات » إلى آخر الحديث، فقد ذكر هذا الحديث في أمهات كتب الحديث وشروحه، فعليه أن يرجع إلى ذلك وأن يتزود منه، وبالله التوفيق.
[1] أخرجه الطبراني في المعجم الكبير(22/263)، رقم(677)، والدارقطني في سننه، كتاب الرضاع(5/325)، رقم(4396).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه(1/20)، رقم (52)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب أخذ الحلال وترك الشبهات (2/1219)، رقم(1599).