الفرق بين المؤمن والمشرك
- الإيمان
- 2021-06-22
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (467) من المرسل أ.س سوداني يعمل في المملكة، يقول: ما الفرق بين المؤمن والمشرك، مع العلم أن هناك ناساً يصلّون ويصومون ويحجون ويعملون كلّ أعمال الخير؛ لكن يتوسّلون بالأنبياء والصالحين، فهل هذا جائز أم لا؟
الجواب:
أولاً: إن الإيمان بيّنه الرسول ﷺ، وأقرّه جبريل على ذلك؛ فإن جبريل جاء بصورة أعرابي وجلس عند النبي ﷺ، فسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فلما سأله عن الإيمان قال له الرسول: « الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره ». قال له: صدقت، ثم سأله عن الإسلام فقال: « أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج بيت الله الحرام ». فقال له: صدقت، ثم سأله عن الإحسان، فقال: « أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك »[1].
وإذا نظرنا إلى الإيمان منفرداً وجدنا أنه يشتمل على الإسلام، وإذا نظرنا إلى الإسلام منفرداً وجدنا أنه يتضمن الإيمان، وإذا نظرنا إليهما مجتمعين وجدنا أن الإيمان يفسّر بالأعمال الباطنة، وأن الإسلام يفسّر بالأعمال الظاهرة؛ ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى:"قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ "[2].
وبناء على هذا الكلام: نستخلص قاعدة في هذا الباب، وهي أن الإيمان والإسلام إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، ودائرة الإحسان هي دائرة فوق دائرة الإيمان ودائرة الإسلام؛ هي أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ودائرة الإحسان هي أعلى مقام من دائرتي الإيمان والإسلام، والأوامر التي أمر الله بها في كتابه وأمر بها رسوله في سنته، وكذلك النواهي التي نهى الله عنها في كتابه، ونهى عنها رسوله ﷺ، هي داخلة في الإيمان والإسلام.
بالنسبة للأوامر تزيد في إيمان الإنسان وفي إسلامه، وبالنسبة للنواهي إذا تركها الإنسان امتثالاً لنهي الله ولنهي رسوله ﷺ بعد القدرة عليها، فحينها يكون هذا زيادة في إيمانه وإسلامه.
وعلى هذا الأساس فالإيمان والإسلام مشتملان على مسائل كثيرة، فالأوامر والنواهي راجعة إليهما.
ثانياً: وأما بالنسبة للشرك، وهو الأمر الثاني، فإن الشرك جاء في القرآن والسنة، والشرك يكون شركاً أكبر، ويكون شركاً أصغر. والشرك الأكبر إذا مات عليه صاحبه يكون مخلداً في النار، والشرك الأصغر إذا مات صاحبه عليه فإنه لا يغفر له؛ لكن إما أن يدخله الله النار يطهره ثم يخرجه منها، وإما أن يقلل من حسناته قبل أن يدخله الجنة في مقابل ما عمله من شرك، وهذا تحقيق لعموم قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"[3].
من الأمر الأول تبيّن معنى الإيمان، ومن الأمر الثاني تبيّن معنى الشرك، وبيان الحكم الذي يحكم على صاحبه فيه.
ثالثاً: إذا نظرنا إلى ما يفعله الإنسان من كبائر الذنوب؛ كالزنا، والسرقة، وأكل مال اليتيم؛ إلى غير ذلك من كبائر الذنوب التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر ولا الشرك الأصغر؛ فهذه تكون تحت مشيئة الله إذا مات صاحبها عليها، فإما أن يعفو الله عنه ويدخله الجنة، وإما أن يدخله النار ويطهّره بسبب هذه الأمور التي اقترفها، ثم بعد ذلك يخرجه إلى الجنة.
وعلى هذا الأساس: فمرتكب الكبيرة من كبائر الذنوب محكوم بإيمانه، ولكن لا يقال عنه: إنه مؤمن إيماناً كاملاً، ولكن يقال إنه: مؤمن بإيمانه وفاسق بكبيرته، وهذا بخلاف الذين يقولون: إن له منزلة بين المنزلتين، فلا يحكم عليه بأنه مؤمن، ولا يحكم عليه بأنه كافر؛ بخلاف الذين يكفّرون بالمعصية، ويجعلون الشخص مخلداً في النار إذا مات على معصية من المعاصي؛ كما إذا مات وهو مرتكب للزنا ولم يتب منه، يقولون: إنه مخلد بالنار، فيعطونه حكم المشرك بالله.
رابعاً: إن صغائر الذنوب إذا أصرّ عليها الشخص التحقت بكبائر الذنوب؛ وأما إذا لم يصر عليها فتكفّرها الأعمال الصالحة. وجاء هذا في القرآن والسنة، ففي القرآن قول الله: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا"[4]، ففي قوله: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ يقصد بهذا الصغائر التي لم يحصل عليها إصرار، بيّن ذلك النبي ﷺ في قوله: « الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والحج إلى الحج مكفّرات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر ».
وكذلك سبق في الآية بيان القيد في أول الآية بقوله تعالى: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ"[5].
فالمقصود: أن صغائر الذنوب التي لم يحصل عليها إصرار تكفّرها الأعمال الصالحة، وإذا حصل عليها إصرار فإنها تلتحق بدرجة الكبائر، فلا تكفّر إلا بالتوبة قبل الممات، وإذا مات الشخص وهو مُصِرٌّ عليها فهو تحت مشيئة الله.
وبناء على هذا بالنسبة لكبائر وصغائر الذنوب التي حصل عليها إصرار والتي لم يحصل عليها إصرار، يحسن ذكر بعض الأمثلة الواقعة من حياة الناس، ولها علاقة بالشرك، فهناك أمور يعملها الناس سواء كانت شركاً من ناحية القول، أو شركاً من ناحية العمل. فعلى سبيل المثال من جهة القول:
الحلف بغير الله، هذا قد يكون شركاً أكبر، أو يكون شركاً أصغر، فإذا قام في قلب الحالف من التعظيم للمحلوف به وهو غير الله كالتعظيم الذي يجب أن يكون لله؛ فهذا شرك أكبر.
أما إذا تلفظ بذلك، ولم يقم في قلبه تعظيم لذلك الغير؛ فهذا يكون من باب الشرك الأصغر.
الاستعانة بغير الله أو الاستغاثة بغيره، يأتي الشخص إلى صاحب القبر، فيستعين به أو يستغيث به على جلب نفع أو على دفع ضر، يستعين به في أمور من هذا النوع هذا يكون من باب الشرك الأكبر؛ لأن هذه الأمور من خصائص الله، وما كان من خصائصه وصرف لغيره يكون من باب الشرك، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الشرك في ربوبيته، أو أن يكون الشرك في ألوهيته أو في أسمائه وصفاته؛ يعني: لا فرق في ذلك، فالحكم في ذلك على سبيل السواء.
فالحاصل من هذا الكلام هو: لا بدّ من معرفة الإيمان أولاً، ومعرفة الشرك ثانياً، ومعرفة الأمور التي لها علاقة بالشرك، ومعرفة الأمور التي لها علاقة بالإيمان من جهة أنها تؤثر فيه وتنقص ثواب الإيمان. وإذا عرف الإنسان هذه الأمور يتبين له وجه الفرق بين الإيمان والشرك.
وأنصح السائل أن يرجع إلى الكتب التي بحثت هذين الموضوعين، فقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية كتاباً خاصاً بالإيمان، وله -أيضاً- كتابات كثيرة جمعت ضمن مجموعه المسمّى مجموع فتاوى شيخ الإسلام؛ يعني: جمع ما يتعلق بالإيمان؛ وكذلك أئمة الدعوة كتبوا كتابات تتعلق بالإيمان؛ كما أنصحه بالرجوع إلى كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ وكذلك شرحه تيسير العزيز الحميد، ومختصر هذا الشرح المسمّى بفتح المجيد؛ وكذلك كتاب التوحيد لابن خزيمة، وغير ذلك من الكتب التي كتبت خاصة في التوحيد. وقد توسع شيخ الإسلام في الكتابات في هذا الموضوع فكتب في توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات، وجمع ما تيسّر من كتاباته ضمن مجموعه؛ وكذلك أئمة الدعوة كتبوا في هذا الموضوع؛ فأنصح السائل أن يقرأ الكتب التي كتبت في الموضوعين لعل الله أن يزيده علماً.
أما الفقرة الثانية، وهي ما ذكره أنه يوجد ناس يصلون ويصومون؛ ولكنهم يستغيثون بغير الله إلى آخر ماذكر من سؤاله، فإن الشخص إذا عمل عملاً لله واقترن به ما قد يؤثر عليه، فقد يكون هذا التأثير بالغاً؛ بمعنى: إنه يقتلعه من أصله، وقد يكون تأثيره غير بالغ. وبناء على ذلك فتأثير المخالفات تنحصر في الأمور الآتية:
المؤثر الأول: أن تكون المخالفة رافعة للشيء من أصله؛ كالشرك الأكبر فإنه يكون رافعاً للتوحيد، فإذا وجد التوحيد عند الشخص؛ ولكن اقترن به الشرك الأكبر، فقد قال الله في الحديث القدسي: « أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه »[6]؛ هذا هو المؤثر الأول؛ يعني: يرفع التوحيد ويمنع اعتباره؛ وكذلك بالنسبة للكفر الأكبر فإنه رافع للإسلام، وكذلك النفاق الأكبر فإنه رافع للإيمان، فهذه ثلاثة أمور:
الشرك الأكبر ينفي التوحيد، والكفر الأكبر ينفي الإسلام، والنفاق الأكبر ينفي الإيمان؛ لأن النفاق من أعمال القلوب، فحينها يكون منافياً للإيمان، هذا هو المؤثر الأول.
المؤثر الثاني: أن يكون الشيء الذي يعمله الشخص منافياً للكمال، الشرك الأصغر منافٍ لكمال التوحيد، وقد تقدم الكلام على حكم صاحبه إذا مات عليه؛ فهو محكوم بإيمانه وبتوحيده؛ ولكن توحيده ليس كاملاً.
والمؤثر الثالث: كبائر الذنوب، فكبائر الذنوب التي دون الشرك الأصغر والأكبر إذا مات عليها الإنسان، فهي مؤثرة على كمال ثواب التوحيد، وإذا كانت من الأمور التي لها علاقة بالإسلام فحينها تكون مؤثرة عليه؛ أي: إنه لا يكمل إسلامه، فهي منافية لكمال ثواب الإسلام؛ ولكن محكوم بإسلامه، وهكذا بالنسبة لما إذا كانت من خصال النفاق الذي لا يصل إلى النفاق الأكبر، فهذا مؤثر في إيمانه؛ ولكن تأثير لا يبلغ درجة خروجه عن الإسلام.
المقصود: أن هذه الكبائر لها تأثير على الثواب بالنسبة للتوحيد والإسلام والإيمان.
المؤثر الرابع: صغائر الذنوب التي أصر عليها الشخص، فتؤثر في كمال الثواب.
المؤثر الخامس: وهو صغائر الذنوب، فتكفّرها السيئات.
فهؤلاء الأشخاص الذين ذكرهم السائل صرفوا ما هو حق لله إلى غيره. وبما أنهم صرفوا ما هو حق من حقوق الله إلى غيره، فعملهم هذا من الشرك الأكبر، والواجب نصحهم وتوجيههم وتعليمهم، وبيان الحق لهم، لعل الله أن يهديهم، وإذا أصروا على ذلك، فحينها يجب قتلهم لا حداً، ولكنهم يقتلون على أنهم مرتدون عن الإسلام بسبب ما حصل منهم من الشرك. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي ﷺ عن الإيمان والإسلام والإحسان(1/19)، رقم(50)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب معرفة الإيمان والإسلام والقدر(1/36)، رقم(8).