Loader
منذ سنتين

الوالد لا يسلّم على ابنه ويهجره لمدة سنتين لخلافٍ تافه؛ وكثير الدعاء عليه، هل يصيب دعاء هذا الوالد ابنه؟


الفتوى رقم (9675) من المرسلة أ. ف، تقول: ابني يأتي إلى والده للسلام عليه؛ ولكن الوالد لا يسلّم على ابنه ويهجره لمدة سنتين بسبب خلافٍ تافه لا يوجب هذا الأمر؛ لكن الوالد كثير الدعاء على ولده، هل يصيب دعاء هذا الوالد ابنه بالرغم من زيارته له وهو الذي يرفض مقابلته؟

الجواب:

        هذا الخلاف الحاصل بين الأب وبين الابن له أسبابه. وأولى من يعرف هذه الأسباب هو الأب والابن، وهذه الأسباب قد تكون حاصلة من الأب، أومن الابن، أو منهما جميعاً، وهذه الأسباب قد تكون حقاً لله -جل وعلا- كما إذا كان الابن لا يصلي، أو لا يصوم رمضان، أو يكون من الأشخاص الذين يرتكبون المعاصي؛ مثل: شرب الخمر، والزنا، واللواط؛ فيكون الأب يكره الولد بالنظر إلى ارتكابه هذه المعاصي، فيكون السبب ناشئاً من الابن، ولكنه حق لله -جل وعلا- يقول -جل وعلا-: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[1]، فيكون الأب في هذه الحال على حق من ناحية هجره لولده.

        أما بالنظر للدعاء فيمكن أن يدعو له بالهداية بدلاً من أن يدعو عليه بزيادة الضلال، ولهذا الرسول ﷺ كان مأموراً بالدعاء؛ وهكذا سائر المسلمين مأمورون بالدعاء. والدعاء يكون دعاء مسألة وهذا هو المقصود هنا، فيدعو الله أن يهديه وأن يعيده إلى طريق الحق.

        وقد يكون السبب من الأب؛ لأن بعض الآباء يكون عنده تعسف من ناحية أنه يريد سلب إرادة الابن بحيث لا يكون للابن إرادة مطلقة، فتكون إرادته تابعة لإرادة الأب؛ سواءٌ كانت إرادة الأب محقة، أو كانت مبطلة. وإذا كانت مبطلة فحينئذٍ يكون السبب هو الأب، فيحتاج الأب إلى أن يعيد النظر في نفسه، هل هو السبب أم لا؟.

        وقد يكون السبب مركباً منهما فكل واحدٍ منهما يكون مرتكباً معصية، وقد يكون الابن عنده عقوق للأب غير ما يتعلق بحق الله، وقد يكون الأب مقصراً في حق الابن؛ يعني: الحق الواجب، وهذا من الأمور الدنيوية.

        فالمقصود هو أنه لا بدّ من معرفة السبب، ولا بدّ من علاجه، لكن لو دعا الأب على الابن والابن ليس محلاً للدعوة، فإن الدعوة ترجع إلى الأب ولا ترجع إلى الابن؛ لأن هذه دعوة ظالمة، والله -جل وعلا- حرّم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرماً، ولا فرق في العباد بين الأب والابن، الزوج والزوجة، والأم والولد، والحاكم والمحكوم، والعالم والجاهل... إلى آخره؛ المهم أنه يكون ظالماً فلا يجوز له أن يظلم ولا مثقال خردلة، كما نزه نفسه عن ذلك في قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا}[2]. وبالله التوفيق.



[1] الآية (22) من سورة المجادلة.

[2] من الآية (40) من سورة النساء.