المقصود بآية: "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"
- فتاوى
- 2021-07-27
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (6560) من المرسلة ل.ن.م. من الجزائر، تقول: ما المقصود من كلمة العلماء في قوله -تعالى-:"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ"[1]، هل يُقصد بها كلّ من نال شهادة في أي مجال من مجالات العلوم غير الإسلامية؟ أو أنه يقصد بها من هو ملمٌ بشؤون الدِّين الإسلامي حتى ولو أنه لم ينل أي شهادة؟
الجواب:
هذه الآية فيها بيان صفة من صفات العلماء، وهذه الصفة هي أن العالم يخشى الله -جل وعلا-.
ومن المعلوم أن الناس في العلم متفاوتون؛ ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ"[2]، وفي قصة موسى مع الخِضر قال أحدهما: ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما يأخذ هذا الطير في منقاره من البحر. ويقول الله -جل وعلا-: "وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ"[3]، فالله سبحانه وتعالى هو الموصوف بالعلم الكامل، أما من دونه فإنهم بالنسبة للرسل على حسب ما علمهم الله من ناحية الوحي الذي ائتمنهم عليه، ومن ناحية العلماء فعلى حسب ما يفتح الله على العالم من العلم؛ ولكن العلم شيءٌ والعمل به شيءٌ آخر، وخشية الله ومراقبته في السر والعلانية هذا من الأمور التي لها تأثيرٌ على الشخص، ولهذا يقول الله -جل وعلا-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا"[4]؛ يعني: يجعلكم تفرقون بين الحق والباطل بالبصائر التي يوجدها الله فيكم، ويقول الله -جل وعلا-: "وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ"[5] فحينئذٍ الشخص يعمل بالأسباب التي تقرّبه إلى الله من ناحية الفعل، ويجتنب الأسباب التي تبعده عن الله -جل وعلا-، فترك الواجب مبعدٌ عن الله، وفعل المحرم مبعدٌ عن الله، وترك الواجب منافٍ لخشية الله، وفعل المحرم منافٍ لخشية الله؛ سواءٌ كان ذلك في السر، أو كان في العلانية، ولهذا مدح الله -جل وعلا- الذين يخشون ربهم بالغيب. وهذه الخشية لا تختص بالعلماء فقط، فقد يكون الشخص عامياً ولكنه يراقب الله -جل وعلا- لما أوجد الله في قلبه من النور يجعله لا ينتهك محرماً. وقصة المرأة البنت التي نصحتها أمها في آخر الليل بأن تجعل مع اللبن ماءً حتى يكثر اللبن، وإذا خُرج به إلى السوق في النهار يُباع بثمنٍ أكثر مما إذا كان لبناً لم يمزج بالماء، وكان عمر رضي الله عنه يتفقد رعيته، وفي تلك اللحظة كان واقفاً عند الباب فسمع الأم تنصح ابنتها بأن تمزج مع اللبن ماءً، فقالت البنت لأمها: إن أمير المؤمنين منع مزج اللبن بالماء، فقالت الأم: وما يدري أمير المؤمنين؟! قالت البنت: إذا كان أمير المؤمنين لا يدري، فرب أمير المؤمنين يدري. فهذه البنت راقبت الله -جل وعلا- في آخر الليل ولم تطع أمها، وغلّبت جانب طاعة الله وخشيته ومراقبته على طاعة أمها، وهكذا؛ لكن عندما يكون الشخص متعلماً وتوجد فيه الخشية لا شك أن له تأثيراً؛ لأن العالم نفعه متعدٍ؛ يعني: قاصرٌ عليه من وجهٍ ومتعدٍ من وجهٍ آخر وهو نفعه للناس. والخشية -أيضاً- تكون سبباً من الأسباب في زيادة العلم. وبالله التوفيق.