أحسن طريقة للتعامل مع المسلمين من العمالة الوافدة
- فتاوى
- 2021-07-26
- أضف للمفضلة
الفتوى قم (6519) من المرسل السابق، يقول: وجّهوني لأحسن طريقة للتعامل مع إخواني المسلمين من العمالة الوافدة؛ فإني ألاحظ أن بعض الناس -هداهم الله- لا يحسنون معاملتهم، ولا يأمرونهم بالصلاة، ولا يقومون بإعطائهم كتباً أو أشرطة، ويمكن أنهم يرجعون إلى بلادهم وهم لم يستفيدوا هنا أي شيء، ما كلمتكم لكلّ من عنده عمّال؟
الجواب:
يقول الله -جل وعلا-: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ"[1]، ومن العدل أن الشخص كما يحب أن يستعمل العدل في حقه؛ وكذلك يحب أن يستعمل الإحسان في حقه، وقد قال ﷺ: « لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه »، فيتعامل مع العمّال الذين في عهدته يتعامل معهم كما يحب أن يُتعامل معه لو كان في منزلتهم، ويُحسن إليهم كما يحب أن يُحسن إليه لو كان في منزلتهم. والعدل بالنسبة لهم لا يُكلفهم بما لا يطيقون ولا يمنع حقهم. فقد سألني بعض العمّال فقال: إن لي ما يزيد على سنتين وقد منعني الكفيل من إعطاء رواتبي. ولا شك أن هذا من الظلم.
أما باب الإحسان فالرسول ﷺ قال: « إن الله كتب الإحسان على كلّ شيء »، فيحسن إليهم بالقول، ويُحسن إليهم بالفعل، والإحسان منه ما يكون واجباً، ومنه ما يكون مستحباً.
فالمقصود أن هؤلاء العمّال أمانة في يد من جاء بهم. وكلّ شخصٍ في عهدته عمّال فهو مسؤولٌ عنهم يوم القيامة، فعليه أن يعرف ما لهم عليهم، ويطالبهم بأدائه ولا يزيد على ذلك، وعليه أن يعرف ما عليه فيؤدي ما عليه ولا ينقص من حقهم شيئاً، وإن تفضّل زيادةً على حقهم فهذا من الإحسان المأمور به فقد قال الله -تعالى-: "وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"[2]؛ هذا من جهة الكفيل.
ومن جهة العامل واجبٌ على العامل أن يكون أميناً في قصده، وأميناً في قوله، وأميناً في فعله، أو في عمله، يكون أميناً فيما بينه وبين الله في حق الله، ويكون أميناً فيما بينه وبين نفسه في حق نفسه، ويكون أميناً فيما بينه وبين كفيله، فلا يستخدم الغش ولا السرقة ولا غير ذلك من وجوه الظلم؛ فقد يستعمل أساليب ينتهز بها استغلال طيب قلب الوكيل.
ومن الأمور الملاحظة في هذا الباب أن بعض الكفلاء يأتون بالعمّال ويجعلونهم في المحلات التجارية، ويُسلِّم له المحل ببياناتٍ وأعيان السلع وقيمة كلّ سلعة، ويأتيه كلّ أسبوع يحاسبه على ما باعه بحسب القيم المحددة في الكشوفات. والعامل عندما يأتيه المشتري يزيد على هذه السلعة بربع الثمن أو نصفه أو كثر الثمن، وبعد ذلك إذا باعها على المشتري أخذ الفرق الذي بين ما باعه على المشتري وبين ما حدده صاحب المحل، فيجمع أموالاً عظيمة. المشتري لا يدري عن السعر الذي حدده صاحب المحل، وصاحب المحل لا يدري عن ثمن السلعة، أو لا يدري عن المقدار الذي أخذه من المشترين؛ فلا شك أن هذا من ظلم العامل للمجتمع ككل، وللمشتري من جهة، ولصاحب المحل من جهةٍ أخرى، ولنفسه أيضاً، وفيه -أيضاً- من هذا الباب ما يفعله بعض الكُفلاء فيأتي بشخصٍ على أن راتبه -مثلاً- خمسمائة ريال، ستمائة ريال، ثم يأتي بعد ذلك ويفتح له محلاً ويبيع عليه المحل ويطلب منه أن يسلمه كل أسبوع -مثلاً- ثلاثة آلاف ريال، أربعة آلاف ريال، خمسة آلاف على حسب مقدار ما يظن أنه يحصل من هذه البضاعة، ومعنى يحصل ؛ يعني: يكون فائدة لصاحب المحل، فيغّير العقد الذي حصل الاتفاق عليه من بلد العامل، ومن إجازة الدولة له ودخوله على هذا الأساس يغيره، وبعد ذلك يجعله بدلاً عنه في المحل، واسم المحل باسم الكفيل عند الدوائر الحكومية، وهذا العامل يأخذ مصالح كثيرة من جراء هذا التصرف، هذا غشٌ من الكفيل للدولة، ولنفسه من جهة، وللمجتمع من جهة أخرى.
فعلى كلٍ من العامل والكفيل تقوى الله -جل وعلا- فإن الخير فيما أحلّه الله -جل وعلا-، وأما الحرام فمهما كثر فإنه لا يزيد الإنسان إلا ضرراً؛ سواءٌ كان هذا الضرر في الدنيا، أو كان في الآخرة، أو كان فيهما. وبالله التوفيق.