Loader
منذ 3 سنوات

حفظ ما تيسر من القرآن والحمد لله؛ وأصابه العجب فبم تنصحونه وما أفضل السبل لحفظ القرآن وتثبيته في الصدر


الفتوى رقم (5475) من المرسل خ. أ. خ، من حضرموت، يقول: أنا شاب التحقت بمدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في مدينتنا، وقد حفظت ما تيسر من القرآن والحمد لله؛ ولكن يعتريني العجب في بعض الأحيان، وأرى أنني أفضل من هذا أو ذاك، فبم تنصحوني؟ مع إيضاح أفضل السبل لحفظ القرآن الكريم وتثبيته في الصدر.

الجواب:

        أولاً: إن الشخص إذا امتثل أوامر الله واجتنب ما نهاه عنه يعتبر أن هذا منة وفضل من الله عليه كما قال -تعالى-: "يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ"[1]، فيشكر الله -جلّ وعلا- على هذا التوفيق.

        ثانياً: هذا الشخص الذي يكون بهذه المنزلة قد يتسلط عليه الشيطان فيغريه من جهة التقصير بشيءٍ من الواجبات، أو يحمله على فعل شيءٍ من المحرمات، فإذا عجز عن ذلك فإنه يدخل عليه من باب الرياء، فإذا عجز عن ذلك فإنه يدخل عليه من باب إعجابه بنفسه، وبما يصدر منه من امتثالٍ لأوامر الله واجتنابٍ لنواهيه؛ ولهذا لما أعجب رجل بنفسه واستخف بشخص يكثر من الذنوب وقال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله -جلّ وعلا-: « من ذا الذي يتألى عليّ، إني قد غفرت له وأحبطت عملك » فلا ينبغي للإنسان أن يغتر بنفسه؛ لأنه يعمل العمل من جهة المأمور به، ولا يدري هل قُبل منه هذا العمل الذي عمله أم لم يقبل منه. ويترك ما حرم الله عليه، ولا يدري هل يثاب على ذلك أو أنه لا يثاب عليه؛ فعليه أن يعيش بين الخوف والرجاء، فيخاف ألا يقبل منه العمل، ويخاف -أيضاً- مما يصدر منه من تقصير؛ يعني: إنه لا يغفر له. ويرجو رحمة ربه، يرجو قبول العمل، ويرجو عدم العقاب على الفعل الذي يفعله؛ فأنت حينما منّ الله عليك بما حفظته من القرآن ينبغي لك أن تكون على استقامة في أمرك وألا يحصل عندك غرور؛ هذا من جهة.

        ومن جهة ثانية وهي ما سألت عنه من ناحية حفظ القرآن وتثبيته:

        فحفظ القرآن للذكر وللأنثى نعمة عظيمة من نعم الله. والذي ينبغي على طالب العلم أو طالبة العلم حينما يريد أي واحدٍ منهما أن يحفظ القرآن فإنه يحدد الآيات التي تكون مشتملةً على موضوعٍ واحدٍ، وبعد تحديدها يقرأ تفسيرها، وبعدما يفهم معناها بإمكانه أن يحفظها. والناس يختلفون في قدرتهم على الحفظ، فمنهم من يكفيه أن يكرر الآيات مرتين، ومنهم لا يثبت الشيء في فكره إلا بعد ثلاثين أو أربعين مرة؛ فكلّ شخصٍ يكرر الآيات على حسب قدرته على الحفظ يعيده كلّ يوم، ويضيف إليه ما يمكنه على هذه الطريقة إذا بدأ الشخص من أول سورة البقرة فإن الله I بيّن في أولها أصناف الناس الثلاثة: بيّن المؤمنين في أربع آيات، وبيّن الكافرين بعدهم في آيتين، وبيّن المنافقين بعد ذلك في ثلاث عشرة آية تقريباً. فعلى هذا الأساس يقرأ الشخص ما يتعلق بالمؤمنين أولاً، فيحدده ويقرأ تفسيره وبعد ذلك يحفظه، ثم الآيات التي فيها ذكر الكافرين، ثم بعد ذلك الآيات التي فيها ذكر المنافقين، ثم يأتي إلى قوله -تعالى-: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إلى قوله -تعالى-: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ فهذا موضوعه الدعوة إلى توحيد الله -جلّ وعلا-، فيحدد هذه الآيات، ثم بعد ذلك يقرأ تفسيرها، ثم بعد ذلك يحفظها. وبإمكانه أن يكون التكرار في قراءته في الصلاة السرية إذا كان -مثلاً- في صلاة الظهر أو في صلاة العصر؛ وهكذا في الرواتب، وكذلك في صلاة الضحى، وكذلك في صلاة الليل، فيكثر من تكرار ما حفظه مع إضافة ما أمكنه أن يضيفه على حسب اختلاف قدرات الأشخاص. وبهذه الطريقة يكون الشخص قد سار في حفظ القرآن على طريقةٍ سليمةً. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (17) من سورة الحجرات.