معنى قوله تعالى(هل أتاك حديث الغاشية)
- الأمر الموجه للنبي هل تدخل فيه أمته
- 2022-04-30
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (6738) من المرسل ع.ن.ر من بريدة، يقول: ما معنى قول الله -تبارك وتعالى-: "هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (1) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3)"[1]؟
الجواب:
هذه الآية وما بعدها من الآيات مما جاء في السؤال فيها بيان أمور:
أما الأمر الأول فهو: أنها افتتحت بالاستفهام. والخطاب موجه للرسول ﷺ، وهذا الخطاب الموجه إليه موجه إلى جميع الأمة؛ لأن الخطاب إذا وجّه إليه فالأصل أنه يعم جميع الأمة إلا ما ورد تخصيصٌ له به كما في قوله -تعالى- في زواجه ﷺ: "خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ"[2]؛ فهذا فيه بيان تخصيصه بهذا الزواج الذي ذكره الله في سورة الأحزاب.
والمقصود بالغاشية -هنا- هذا اسم من أسماء يوم القيامة، وقد جاءت تسميتها في القرآن بأسماء كثيرة كما في قوله -تعالى-: "الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3)"[3] وكثير في القرآن.
وأما قوله -تعالى-: "وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (2) عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (3) تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (4)"[4] فهذا فيه بيان نوع من الناس يعبدون الله عبادةً لم يشرعها، وهم يعلمون أن هذه العبادة التي يعبدون الله بها ليست مشروعة، ففيه عبادة اليهود، وفيه عبادة النصارى، وفيه عبادة المبتدعة؛ وبخاصةٍ ما كان من البدع مكفر، أو كان من البدع من كبائر الذنوب، فإن عندهم خشوع في الدنيا وحصول بكاء، وعندهم -أيضاً- دأبٌ على العمل ومواظبة عليه مع أنه يغضب الله -جل وعلا-، فالناس يرونهم على هذه الصفة في الدنيا خاشعةٌ عاملةٌ ناصبةٌ، ومع ذلك بيّن الله جزاءهم في قوله -تعالى-: تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً.
وبناءً على ذلك فإن الشخص يجب عليه أن يتنبه إلى أن العمل لا يكون مقبولاً عند الله -جل وعلا- إلا إذا كان خالصاً صواباً، فإذا كان خالصاً وكان صواباً فإن هذا عمل صحيح، لقوله -تعالى-: "فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"[5])، فقوله: فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا هذا في المتابعة، وقوله: وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا هذا بالنظر إلى الإخلاص؛ فهذان الركنان لا بدّ من مراعاة الشخص لهما، فإذا اختلّا جميعاً أو حصل خللٌ بأحدهما فإن العمل لا يكون مقبولاً. وهؤلاء الذين ذكرهم الله -هنا- لا شك أن الحجة قائمةٌ عليهم بعموم قوله -تعالى-: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[6]، وقوله -جل وعلا- في آخر سورة الزمر: "وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (72)"[7]، ففي هذه الآية بيان أن الكفار الذين يدخلهم الله -جل وعلا- النار أنه لا يدخل أحداً منهم إلا وقد بلغته الدعوة فجميع الداخلين فيها بلغتهم الدعوة، والحمد لله كتاب الله موجود وسنة رسوله ﷺ. والشخص عندما يُشكل عليه أمر من أمور دينه فإنه يسأل من يهديه إلى الجواب الصحيح. وهؤلاء قد يكونون في أعين الناس لهم رفعة ومكانة بسبب ما يشاهدون منهم من القيام بهذه الأعمال مع حصول الخشوع وحصول المداومة على ذلك، وقد قال -تعالى- في افتتاح سورة الواقعة: وهي من أسماء يوم القيامة: "إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3)"[8].
ومعنى قوله -تعالى-: خَافِضَةٌ أنه يوجد صنف من الناس يكون مرتفعاً في أعين الناس، وإذا جاء يوم القيامة خفضته أعماله القبيحة، وقوله -جل وعلا-: رَافِعَةٌ هذا تنبيهٌ إلى صنف آخر من الناس يكونون منخفضين في أعين الناس؛ إما لفقرهم، وإما للباسهم، وإما لغير ذلك من الأمور التي تجعلهم لا يُنتبه لهم؛ ولكن أعمالهم الصالحة ترفعهم يوم القيامة.
ومما يدل على ذلك أن الرسول ﷺ كان جالساً ومعه جملة من أصحابه فمر رجلٌ فقال لهم: « ما تقولون في هذا؟ » قالوا: هذا إن خطب زوّج، وإن شَفع شُفّع، وإن سأل أعطي. ثم مرّ رجل آخر فقال: « ما تقولون في هذا؟ » فقالوا: إن سأل لم يعطَ، وإن خطب لم يزوّج، وإن شفع لم يشفع، فقال: « هذا خيرٌ من ملء الأرض من ذاك »، فالميزان الصحيح هو عند الله -جل وعلا-؛ أما الموازين التي يتعامل بها الناس فيما بينهم فهذه لا تدل على حقائق الأمور. وبالله التوفيق.