Loader
منذ سنتين

حكم تغيير المنكر باليد لمن يعرف القواعد والشروط


الفتوى رقم (4307) من المرسل ك. ع، يقول: هل يجوز للمسلم تغيير المنكر باليد إذا كان عنده علم بالقواعد والشروط في هذا الأمر، وماذا يقصد النبي ﷺ في الحديث: « من رأى منكم منكراً... » إلى أخر الحديث؟

الجواب:

        قول النبي ﷺ: « من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه... » الحديث.

        هذا الحديث فيه بيان مراتب الناس في تغيير المنكر، فمن الناس من تكون عنده القدرة على التغيير باليد، ومن الناس من تكون عنده القدرة على تغيير المنكر باللسان، ومن الناس من لا يستطيع أن يغير باليد ولا باللسان، ولكن يغير بقلبه بمعنى أنه يكره هذا المنكر، ويكره فاعله ويتمنى أن يزول هذا المنكر في أقرب لحظه.

وهذا التقسيم للناس راجعٌ إلى أن الناس قسمان:

 القسم الأول: رعاة.

والقسم الثاني: رعية.

        والرعاة على درجات من القدرة، وعلى درجات مما استرعاهم الله عليه، والرعاة والرعية كذلك على درجات، فمثلًا: الرجل راعٍ في بيته، والمرأة راعيةٌ في بيتها، والعبد راعٍ في مال سيده، وكل شخص استرعاه الله على ثغر من ثغور الإسلام هو راعي لهذا الثغر حسب المقتضيات الشرعية، ومسؤول عن رعاية هذا الثغر، بمعنى أنه مطالب بمعرفة مسؤوليته، ومطالب بتطبيق هذه المسؤولية، ومسؤول عن ذلك يوم القيامة، وعندما يحصل القيام بالرعاية على الوجهِ الشرعي، يكثر الخير وتقل المنكرات.

        أما ما يظن بعض الناس من أن الشخص له أن يغير ما يرى أنه منكر، فهذا يرجع إلى معرفة حال هذا الشخص من جهة علمه، ومن جهة حكمته.

        وبيان ذلك: أن الشخص إذا أراد أن يغير منكراً، فتارةً لا يترتبُ على تغيير هذا المنكر مفسدة بل يترتب عليه مصلحةٌ محضة، أو مصلحة راجحة على المفسدة أو مصلحة مساوية للمفسدة، أو أنه يسعى لتغيير المنكر ولكن يترتب عليه مفسدة، هو يريد أن يزيل مفسدة؛ لكن يترتب على إزالة هذه المفسدة مفسدة أعظم منها، أو مفسدة مساوية لها، أو أنه يترتب عليه تضييع مصلحة راجحة.

        فإذا كان تغيير المنكر، يترتب عليه مصلحة راجحة، مصلحة محضة، فحينئذٍ ليس في ذلك شيء، بمعنى أن المغير على بصيرة على علم وعلى معرفة بالحكمة؛ لأن عملهُ ترتب عليه مصلحة محضة أو مصلحة راجحة.

        وإذا كان عملهُ يترتبُ عليه مفسدة راجحة، فحينئذ لا يغير هذا المنكر؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ}[1]، فسب آلهة الكفار واجب؛ ولكن لما كان يترتب على سب آلهتم أنهم يسبون الله -جل وعلا- نهى الله المؤمنون أن يسبوا آلهتم لما يترتب على ذلك من مفسدة عظيمة.

        وإذا كان تغيير المنكر يترتب عليه مفسدة مساوية للمصلحة، فإن من قواعد الشرعية أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

        وعلى كل حال فبالنسبة لهذه البلاد الحكومة -جزاها الله خيراً- قد حددت جهة معينة مسؤولة عن هذه الناحية، وبإمكان الشخص أن يتعاون مع هذه الجهة بالطرق المشروعة، أما وجود الفوضى بدعوى تغيير المنكر، فهذا لا ينبغي، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (108) من سورة الأنعام.