Loader
منذ سنتين

هل ما يحصل من المصائب الحوادث والكوارث والحروب تكون عقاباً؟


  • فتاوى
  • 2022-02-11
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11151) من مرسلة لم تذكر اسمها، تقول: هل ما يحصل من المصائب الحوادث والكوارث والحروب تكون عقاباً، مع أنها لا تؤثر في قلوب كثير من الناس مع الأسف؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- قص علينا في القرآن مصير بعض الأمم؛ لأن الله -تعالى- يقول: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}[1].

        فقص الله عن بعض الأمم التي خالفت أنبياءها؛ بمعنى: لم تقبل الدعوة. فأغرق قوم نوح، وأهلك عاداً بريح، وأهلك قوم صالح بالصيحة، وأهلك قوم لوط: أنزل الله جبريل فاجتث قريتهم بجناحه، ورفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ونهيق حميرهم، ثم قلبها عليهم ثم أتبعهم بحجارة من النار، كلّ شخص مكتوب على الحجارة التي أرسلت له اسمه عليها، وهذا جاء في القرآن في مواضع كثيرة. وفيه كثير من الأمم التي عذبها الله -جلّ وعلا-.

        وأكرم من آمن بنوح؛ وكذلك من آمن بالرسل الذين أهلكت أممهم أكرمهم الله -جلّ وعلا-.

          وهذه الأمة يقول الرسول ﷺ: « سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة بعامة فأعطاني ، وسألته ألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فأعطاني، وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فلم يعطني »[2]، فهذه الحوادث التي تقع بين البشر هذه فتن.

        ومن المعلوم أن كثيراً من أهل الأرض كما وصفهم الله -سبحانه وتعالى-: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}[3]، {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[4]. والرسول ﷺ في افتراق الأمم ذكر افتراق اليهود وافتراق النصارى. وقال في هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.

        فالمتمسك بكتاب الله وبسنة الرسول ﷺ على الوجه الصحيح، هو فرد من أفراد هذه الفرقة الناجية.

        أما بالنظر إلى المصائب التي تحصل على الإنسان وهو مؤمن بالله، فهذه تختلف باعتبار السبب؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}[5]، ويقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[6]، ويقول: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[7].

          فالإنسان قد يصاب بمصيبة، والرسول ﷺ يقول: « إن الرجل ليكون له المنزلة عند الله فما يبلغها بعمل فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياه »[8]، ويقول: « إن الله إذا أحب عبداً أصاب منه »[9]؛ يعني: يصيبه بمصيبة من المصائب.

        فهذه المصائب التي تنزل على هؤلاء؛ منها ما يكون درجات، ومنها ما يكون تكفير سيئات، ومنها ما يكون فيه جمع بين الأمرين: يكون تكفير سيئات من جانب، وحسنات من جانب آخر؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- قد يبتلي العبد بالمرض حتى يلقى الله -عزوجل- وليس عليه خطيئة؛ ولكن بالنظر للعبد عندما يصاب بمثل هذه الأمور عليه أن يصبر وأن يحتسب؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}[10].

        ففيه الرضا بما أصابه ويصبر؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- حكيم. والخلق لا يدرون ما عند الله لهم؛ سواء أصيب الإنسان بهذه المصيبة وقد عمل ذنباً، أو أصيب بهذه المصيبة ولم يحصل منه ذنب، فالله -سبحانه وتعالى- لا يُسأل عما يفعل. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (78) من سورة غافر.

[2] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض(4/2215)، رقم(2889).

[3] من الآية (116) من سورة الأنعام.

[4] الآية (103) من سورة يوسف.

[5] من الآية (30) من سورة الشورى.

[6] من الآية (41) من سورة الروم.

[7] من الآية (79) من سورة النساء.

[8] أخرجه ابن حبان في صحيحه(7/169)، رقم(2907)، والحاكم في مستدركه (1/495)، رقم(1274).

[9] أخرجه البيهقي في شعب الإيمان(12/237)، رقم(9331).

[10] الآيتان (156-157) من سورة البقرة.