حكم الصلاة في البيت والمسجد قريب
- العموم
- 2022-05-01
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1404) من المرسل ن. أ. ع. ص من عفيف، يقول: هل تجوز الصلاة في البيت والمسجد قريب؟
الجواب:
صلاة الجماعة واجبة في المساجد؛ عملاً بما جاء من الأدلة الدالة على وجوبها بالنسبة للقرآن وبالنسبة للسنة القولية والسنة العملية، ففي قوله -تعالى-:"وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ"[1] فهذا يدل على أن الإنسان يُصلي مع الجماعة.
ومن المعلوم أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- حينما قدم المدينة بنى مسجده وأقام صلاة الجماعة فيه، فبناؤه لمسجده وإقامة صلاة الجماعة فيه هذا تفسير لما جاء في هذه الآية من جهة إقامة الصلاة جماعة، ولو كانت الصلاة لم تُشرع جماعة في المساجد لبيّن الرسول ﷺ في ذلك الوقت أن كل أهل بيتٍ يصلون جماعةً في بيتهم، فلما لم يكن ذلك موجوداً؛ وإنما الموجود هو بناء المسجد، وتوالى بعد ذلك بناء المساجد دل ذلك على أن صلاة الجماعة واجبة، وأنها واجبة في المساجد أيضاً.
والأدلة في هذا كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها؛ ولكن السنة العملية من الرسول ﷺ في مدة حياته؛ وكذلك سنة خلفائه الأربعة، وسنة الصحابة من بعده وسائر القرون المفضلة؛ كلّ هؤلاء كانوا يؤدون الصلاة جماعة في المساجد، وقد قال ﷺ: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم »، قال الراوي: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة، فهذا يدل على أن أهل القرون المفضلة كانوا يحافظون عليها في الجماعة؛ لأن من أوصاف الخيرية لهم أنهم يُطبقون أوامر الله ويجتنبون نواهيه، ومن تطبيق الأوامر أنهم يؤدون الصلاة جماعة في المساجد كما كان ﷺ يؤديها.
ومما يُؤسف له أن كثيراً من الناس في وقتنا الحاضر تساهل في أمر الصلاة، فمنهم من يتركها مُطلقاً، ومنهم من يُصليها بعد خروج وقتها؛ لكنه تاركٌ لها قصداً ويُصليها بعد خروج وقتها، ومنهم من يُصليها في بيته، وقد يكون استكباراً منه لا يريد أن يحضر الجماعة؛ إما لغناه، أو لغير ذلك من الأوصاف التي تعرض لبني آدم وتجعله يشعر بالغنى في نفسه، وينشأ عن شعوره بالغنى الطغيان، ومن الطغيان أن يستكبر عن أداء أوامر الله -جلّ وعلا-، وقد يُغرق في ارتكاب نواهيه، وفي هذا يقول الله -جلّ وعلا-:"كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى"[2]، وهذه الآية وإن كانت نازلة في شخصٍ معين إلا أن من يتفق معه في مناط الحكم؛ فإنه يُشاركه في الحكم، وكلٌ على حسبه من ناحية الطغيان، فلا شك أن الإنسان الذي يترك الصلاة جاحداً لوجوبها، أو يتركها تهاوناً وكسلاً، أو يصليها بعد خروج وقتها، أو أنه يصليها -مثلاً- في بيته بدون عذر شرعي، ولا شك أن هذا عنده طغيان منه على شرع الله -جلّ وعلا- وتجاوز. وهذه أمور ينبغي للإنسان أن يتنبه لنفسه قبل أن يوافيه الأجل وهو على حالة لا يرضاها الله -جلّ وعلا- عنه، وحينئذٍ يكون مآله بعد ذلك إلى عذاب الله وأليم عقابه. وبناءً على هذا فالمسؤولية في هذا الجانب تقع على كلّ أحد بحسبه، ومن أجل ذلك يقول الله -جلّ وعلا-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"[3]، فطاعة أولي الأمر في هذا الباب إذا أمروا بطاعة الله -جلّ وعلا- ونهوا عن معصيته واجبة، فعندما يأمرون بأداء الصلاة جماعة ويحذرون من تركها تجب طاعتهم في ذلك، وهم عندما يأمرون أو ينهون فإنما ذلك تطبيقٌ منهم لطاعة الله -جلّ وعلا-، ولطاعة رسوله ﷺ؛ يعني: طاعة سنته بعد وفاته.
وبعد ذلك فيه مسؤولية أقل من هذا في قوله -تعالى-:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"[4]؛ يعني: دخل على أهل البيوت في بيوتهم، وخاطب كلّ شخص عن أهل بيته:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا"[5]، جاء بيان ذلك في قوله ﷺ: « كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته... إلى أن قال: والرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته ».
فعلى أولياء أمور الرجال والنساء في البيوت أن يُراقبوا أولادهم، وأن يُراقبوا من عندهم في بيوتهم مراقبة دقيقة من ناحية أداء الصلاة، ومن ناحية أدائها جماعة من جهة الأولاد، فإن كثيراً من الناس لا يُبالي في ولده هل صلّى أم لم يُصلِّ، وهل صلّى في المسجد، أو صلّى في البيت، وهل يُوجد في البيت أو لا يوجد؛ المهم أنه يُهمله ولا يدري أين يذهب، ومع من يذهب، ولا الغرض الذي من أجله يذهب؛ كلّ هذه الأمور تجعل الولد يتدرج وينشأ على ترك الصلاة في الجماعة، وبعد ذلك يؤدي إلى تركها بالكلية.
فعلى كلّ مسؤول أن يُراقب الله -جلّ وعلا- في مسؤوليته، وأن يؤدي ما أوجب الله عليه من المسؤولية؛ فإن كلّ شخص استرعاه الله على أمرٍ من الأمور، فإنه سيسأله عنه يوم القيامة، قال -تعالى-:"فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)"[6]، فيسأل الرسل عن التبليغ، ويسأل الأمم عن التطبيق؛ يعني: يسأل كلّ واحدٍ على حسب مسؤوليته، فعلى كلّ شخص أن يأخذ الحذر لنفسه، وأن يُعد الجواب للسؤال. وبالله التوفيق.