Loader
منذ 3 سنوات

هل ورد لفظ العقيدة في القرون المفضلة؟


الفتوى رقم (6018) من المرسل السابق، يقول: هل ورد لفظ العقيدة في القرون المفضلة؟ وإن لم ترد فهل هذه التسمية بدعة أم لا؟

الجواب:

        الألفاظ منها ما تكون دلالته لغوية وضعية أو استعمالية، فإن استعمل اللفظ فيما وضع له أولاً فهذا استعمالٌ لغويٌ حقيقي، وإن استعمله أهل اللغة بوضعٍ ثانٍ فهذا الاستعمال يُقال عنه: إنه استعمالٌ مجازي، فإن كلمة مجاز لا بدّ له من حقيقة، وليس لكلّ حقيقة مجاز. ويستعمل اللفظ استعمالاً اصطلاحياً؛ بمعنى: إن أهل كلّ علمٍ تكون عندهم ألفاظ يريدون بها معاني هم وضعوا هذه الألفاظ لهذه المعاني، فالأطباء، والمهندسون؛ وهكذا علماء الشريعة من علماء الحديث، وعلماء الأصول، وعلماء الفقه، وعلماء العقائد عندهم ألفاظٌ يصطلحون عليها وضعوها لمعانٍ، وعندما يُطلق هذا اللفظ يُفهم منه هذا المعنى الذي وضع له اصطلاحاً، وتكون دلالة اللفظ دلالةً شرعيةً؛ بمعنى: إن الله
-جلّ وعلا- أراد بهذا اللفظ معنىً شرعياً كما جاء من لفظ الطهارة والصيام والحج وغير ذلك من الألفاظ التي كانت موجودةً في اللغة لكن الله -جلّ وعلا- استعملها لمعانٍ شرعية. كذلك استعمال الرسول ﷺ للألفاظ لكنه استعمالها استعمالاً شرعياً. وكلمة العقيدة هذا اللفظ من جهة المعنى يُراد به ما يعتقده الإنسان في قلبه، ويكون مدلولها بحسب العلم الذي تُضاف إليه، وهي حينما تُطلق يُراد بها علم العقائد كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر؛ وهكذا عقيدة التوحيد، وهكذا اعتقاد ضد ذلك؛ لأن عقيدة التوحيد لا تتم إلا باعتقاد ما ينافيها؛ بمعنى: إن الإنسان يعتقد وحدانية الله -جلّ وعلا-، ويعتقد انتفاء الشريك له بأي وجه من الوجوه. وعندما تُستعمل هذه اللفظة عند الصوفية أو عند غيرهم من أرباب الفنون الأخرى فإنها تفسّر على حسب مرادهم. ولا مشاحة في الاصطلاح إذا علم المراد. وبالله التوفيق.

        المذيع: فضيلة الشيخ والسائل يسأل عن هذه اللفظة كونها في القرون المفضلة؛ لا شك أن هذا يدل على حرصه وحرص الكثير على تحري ما كان عليه السلف الصالح -رحمهم الله- في القرون المفضلة وقد أمرنا بذلك، وإنما حل البلاء بالكثير عندما أعرضوا عن هذا النهج المبارك الذي كان عليه أهل القرون المفضلة وتلقّفوا من الأمم الأخرى، هل من توجيه حيال ضرورة تقصي ما كان عليه سلف الأمة؟

الشيخ: من المعلوم أن الحكمة من خلق الجن والإنس هو: عبادة الله وحده لا شريك له قال -تعالى-: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ"[1]، وقال -تعالى-: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"[2]، فجميع الرسل الذين أرسلهم الله وآخرهم محمد ﷺ لا شك أن عقيدتهم واحدة: "شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى"[3] إلى آخر الآية.

        فمن المعلوم أن الله أوصى جميع الرسل بعبادة الله وحده لا شريك له.

وعلى السائل أن ينظر إلى نفسه، وأن يحرص على أن تكون العقيدة الواقعة في قلبه، والأعمال المنبثقة من قلبه، والأقوال المنبثقة من لسانه، والأعمال المنبثقة من جوارحه؛ كل هذه تكون مطابقة لمراد الله -جلّ وعلا-. وبالله التوفيق.



[1] الآية (56) من سورة الذاريات.

[2] من الآية (36) من سورة النحل.

[3] من الآية (13) من سورة الشورى.