Loader
منذ سنتين

أنا في السجن وأرغب في حفظ القرآن الكريم، فما الوسائل التي تعينني على ترسيخ حفظي؛ ولا أستطيع أن أستمع لأحد المقرئين في السجن؟


الفتوى رقم (9411) من المرسل السابق، يقول: أنا في السجن وأرغب في حفظ القرآن الكريم، فما الوسائل التي تعينني على ترسيخ حفظي؛ وخصوصاً أني لا أستطيع أن أستمع لأحد المقرئين في السجن كما لا يخفاكم؟

الجواب:

        الشخص عندما تكون عنده نية لحفظ القرآن فهذا من توفيق الله -جلّ وعلا- له؛ فإن حفظ القرآن نعمة عظيمة من نعم الله -جلّ وعلا-. وفيه طريقة بإمكان الشخص أن يتَّبعها وتسهِّل عليه حفظ القرآن، هذه الطريقة هي أنه يحدد آيات الموضوع الواحد، فبعض الموضوعات آيتان أو أربع آيات أو أكثر من ذلك، فإذا نظرنا إلى سورة البقرة وجدنا أنها تشتمل على موضوعات كثيرة، منها الرضاع، ومنها الطلاق، ومنها الصيام إلى غير ذلك من الموضوعات، فيحدد آيات الموضوع الواحد، ثم ينظر في مفردات آيات هذا الموضوع، فإذا أشكل عليه شيء من معاني هذه المفردات اللغوية فإنه يرجع إلى معرفة معناها من جهة اللغة، ففيه كتب اعتنى أصحابها ببيان معاني مفردات غريب القرآن، ففيه مفردات الراغب الأصفهاني، وهي من أحسن ما كُتب في تفسير مفردات القرآن. وبعد معرفته لمعاني المفردات ينظر في هذه الآيات هل فيها شيء له سبب؛ لأن القرآن ثلاثة أصناف:

        الصنف الأول: ما ذكر الله سببه مقترناً به، ويندرج تحت هذا جميع الأسئلة التي وردت في القرآن؛ مثل: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}[1]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ}[2]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}[3] إلى غير ذلك من الأسئلة.

        الصنف الثاني: ما نزل ابتداءً؛ يعني: من غير سبب.

        الصنف الثالث: ما نزل له سبب؛ ولكن سببه لم يُذكر في القرآن. وفيه كتب مؤلفة بإمكان طالب العلم أن يشتري واحداً منها، وهي تعتني ببيان أسباب النزول؛ مثل: كتاب: (لباب النقول في معرفة أسباب النزول).

        ثم بعد ذلك ينظر -وهذا هو الأمر الرابع- في هذه الآيات هل هي محكمة أو أنه دخلها نسخ. فإذا انتهى من هذه المرحلة يرجع إلى هذه الآيات وينظر إلى إشارات الوقف علامات الوقف فإنها ست: العلامة الأولى: ما يجب فيه الوقف. الثانية: ما يحرم فيه الوقف. الثالثة: ما يكون الوقف مندوباً. والرابعة: ما يكون الوقف مكروهاً. والخامسة: ما يكون الوقف مباحاً. والسادسة: تعانق الوقف؛ فأما ما كان الوقف فيه واجباً فهذا مكتوب فيه(م)؛ يعني: لازم أنك تقف؛ وأما ما كان الوقف فيه محرماً فمكتوب فوق الكلمة(لا)؛ وأما الوقف المندوب فهو ما كُتب فيه قاف ومعها لام؛ يعني: وقف ووصل والوقف أولى؛ وأما المكروه فمكتوب فوق الكلمة صاد لام؛ يعني: وصل ووقف والوصل أولى؛ وأما المباح فمكتوب فيه(ج) فوق الكلمة يعني: جائز؛ وأما التعانق فهو ثلاث نقط على كلمة، وثلاث نقط بعدها عل كلمة أخرى. وأنت بالخيار بأن تقف على الكلمة الأولى أو الكلمة الثانية، فتعرف معنى كلّ جملة على حدة؛ يعني: الكلام الذي يرتبط بعضه ببعض تفهمه، ثمّ بعد ذلك تفهم المعنى العام للآيات.

        ثمّ بعد ذلك تنظر فيما اشتملت عليه هذه الآيات من الأحكام، ثم بعد ذلك تبدأ في حفظها، وبهذه الطريقة يكون معنى الآيات قد سبق إلى ذهنك قبل حفظ الآيات، وهذا فيه ثروة عظيمة علمية تنفعك في مستقبل حياتك في أي عمال من أعمال الإسلام؛ فإنك عندما تريد أن تتناول الآية يسبق معناها إلى ذهنك قبل سبق لفظها. أما الإنسان الذي يحفظ القرآن مجرَّدا عن فهمه فإن هذا يكون عبادة؛ ولكن لا يفهم معناه على الصفة التي ذكرتها.

        ومن المعلوم أن القرآن فيه أمور واضحة؛ مثل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا}[4] {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ}[5]، {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ}[6]؛ لكن الشأن في الآيات التي تحتاج إلى فهم معنى. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (189) من سورة البقرة.

[2] من الآية (217) من سورة البقرة.

[3] من الآية (222) من سورة البقرة.

[4] من الآية (32) من سورة الإسراء.

[5] من الآية (34) من سورة الإسراء.

[6] من الآية (33) من سورة الإسراء.