صحة قصة حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم
- فتاوى
- 2021-09-24
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1808) من المرسل ع. ن. م، من مصر، يقول: أرجو أن تتفضلوا بالتعليق على هذه القصاصة المرفقة، مع العلم أنها جاءت في مجلةٍ إسلامية، فأرجو من فضيلتكم أن تتفضلوا بالتعليق عليها. القصاصة ذكر فيها فضيلة الشيخ ما يلي: تحت عنوان: حكاية وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، من تكريم الله لنبيه ﷺ أنه عصمه من الناس حياً وميتاً، ففي أثناء حياته حاول الكفار واليهود أن يقتلوا النبي، فأحبط الله خطتهم، وردّ كيدهم في نحورهم، وبعد انتقال النبي ﷺ حاول اثنان من الكفار ادعيا أنهما مسلمان نقل جثمان النبي من قبره الشريف من المدينة المنورة، فرأى السلطان نور الدين زنكي النبي ﷺ في المنام يقول له: أنجدني، أنقذني من هذين وأشار إلى رجلين. وقعت هذه الرؤية ذات ليلة من 757 هـ، فصحى السلطان من نومه مذعوراً وسافر على الفور إلى المدينة المنورة، وطلب من حاكمها أن يأتيه بأسماء سكّانها جميعاً، وأن يحضرهم للترحيب به، ولما حضروا راح ينظر في وجوههم، فلم يرَ الرجلين اللذين أشار إليهما النبي في المنام، فسأل السلطان عما إذا كان في المدينة أحد؟ فقال له حاكم المدينة: عندنا رجلان غريبان يصليان الليل والنهار، ويحسنان إلى الناس، فطلب السلطان إحضارهما، فلما حضرا وجدهما الرجلين اللذين رآهما في المنام، فأمسك بهما، وذهب إلى بيتهما، فرأى بساطاً مفروشاً على الأرض فرفعه، ففوجئ بأن تحته سرداباً طويلاً، واعترف الرجلان بأنهما أخذا مبلغاً ضخماً من المال لنقل جثة النبي ﷺ ، فأصدر حاكم المدينةِ أمراً بإعدامهما؛ وهكذا حفظ الله نبيه بعد موته.
أرجو التعليق على ما ورد في هذا النص تحت عنوان حكاية.
الجواب:
هذه المسألة وهي مسألة عصمة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-، جاءت في القرآن في قوله تعالى:"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ"[1]، وقد حصلت له العصمة العملية في مواقف كثيرة من المواقف التي وقفها في الجهاد في سبيل الله، وبالإمكان الرجوع إلى كتاب زاد المعاد في -هدي خير العباد - للإمام ابن القيم ‘، وكذلك ما ورد أو ما كتب من سيرته ﷺ، وهذه العصمة من الله -جلّ وعلا- له، عصمةٌ له في تبليغه لشرعه، وعصمةٌ له في تطبيقه لشرعه، وعصمةٌ له في حفظه من الناس.
هذا بالنظر إلى حياته، وهذا من فضل الله -جلّ وعلا-. والله -جلّ وعلا- قادرٌ على كلّ شيء، وكذلك بالنسبة لعصمته بعد موته، فإن الله -جلّ وعلا - حفظه من أن يناله أحدٌ بأذى، وتوالت القرون من بعد وفاته ﷺ وستتوالى إلى أن تقوم الساعة من جهة حفظه له.
وهذه الظاهرة وهي: حفظه -جلّ وعلا- لرسوله ﷺ ، ينبغي للمسلم أن يتنبه لها؛ لأن الإنسان عندما يعمل بشرع الله -جلّ وعلا- يطبّقه على نفسه، ويدعو إلى تطبيقه، ويصبر على الأذى الذي يناله في الدعوة إلى سبيل الله -جلّ وعلا-، ويتصف بالإخلاص في جميع أقواله وأعماله ومقاصده؛ الشخص الذي يكون كذلك يكلؤه الله -جلّ وعلا-، ويحفظه من شرور عباده القولية، ومن شرور عباده العملية، وإن وقع شيء على بعض الناس فإن هذا لا يخرم القاعدة الأصلية المقررة في قوله تعالى:"إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ"[2]، فالله ناصرٌ لأوليائه في الدنيا، وناصرٌ لهم في الآخرة، وإذا حصل خللٌ من الإنسان فقد يناله من العقوبة الدنيوية، أو العقوبة الأخروية، أو هما معاً؛ بسبب ما يحصل منه من التقصير، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا- مخاطباً نبيه ﷺ ، يقول:"وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47)"[3]، فهو يبيّن -جلّ وعلا- أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لو تجاوز الطريق الذي بينه الله -جلّ وعلا - له لعاقبه عقوبةً عظيمة، مع أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لم يحصل منه شيء؛ ولكن هذا فيه تنبيه للأمة بأن الخروج عن الصراط المستقيم سبب لعقوبة الإنسان، فعلى الإنسان أن يتنبه لهذه الظاهرة، وأن يأخذ منها درساً، وأن يُنيب إلى الله -جلّ وعلا- في أقواله وفي أفعاله وفي مقاصده، وأن يصدق مع الله -جلّ وعلا-، وأن يبتعد عما حرم الله -جلّ وعلا-؛ سواء أكان هذا الشيء المحرم كان من جهة حقوق الله، أو كان من جهة حقوق العبد، أو كان من جهة حقوق الناس. وبالله التوفيق.