هل كلّ من حج تجب عليه الزيارة؟
- الحج والعمرة
- 2021-09-18
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1561) من المذيع: تفضلتم شيخ عبد الله وبيَّنتم أنه ليس من الواجب على كلّ من حج أن يعتمر؛ ولا سيما إذا كان غير قارنٍ أو غير متمتع؛ لكن السؤال -الآن- عن الزيارة: هل كلّ من حج تجب عليه الزيارة؟
الجواب :
أولاً: إن السؤال الذي سألت عنه يحتاج إلى شيءٍ من التوضيح، فبالنسبة للعمرة هي واجبةٌ وجوباً مستقلاً، فمن تمتع لا نقول: يجب عليه أن يعتمر، ومن قرَنَ لا نقول: يجب عليه أن يعتمر، ومن أفْرَد لا نقول: يجب عليه أن يعتمر؛ لكن نقول: من كان عليه عمرة واجبة؛ سواءٌ كانت واجبة من جهة أنه لم يعتمر أصلاً، أو واجبة من جهة أنها قضاء، أو واجبة من جهة أنها نذر؛ فحينئذ نقول: إنه يجب عليه أن يعتمر؛ أما إذا خلا من أسباب الوجوب للعمرة، فهو بالخِيار؛ يعني: إن أراد أن يحرم متمتعاً بالعمرةِ إلى الحج، أو أراد أن يحرم قارناً، أو أراد أن يحرم بالحج مُفرِداً، فتكون العمرة في هذه الحال سنة في حقه وليست بواجبة، فحينئذٍ العمرة قد تكون واجبةً، وقد تكون سنة، وحيث تبيّن أن العمرة قد تكون واجبة، وقد تكون سنة، فهناك السؤال الذي أوردتَهُ وهو مسألة الزيارة.
فيه مع الأسف كثير من الحجاج الذين يأتون إلى مكة يضعون في فكر الحجاج الذين يأتون بهم أن زيارة المدينة شرطٌ من شروط صحة الحج، ولهذا من حج ولم يَزُر المدينة يعتقد أن حجَّه ليس بصحيح، ولهذا يحتاج إلى أن يُعيد الحج، وهذا حصل من أسئلة بعض الحجاج يقولون: إن الشخص المسؤول عنهم ذَكَر لهم أن من حج ولم يأتِ المدينة فحجَّه ليس بصحيح، وهذا تكون فيه فائدة اقتصادية بالنسبة لمن يأتي بالحجاج بأجرةٍ، يزيد عليهم بالأجرة إذا كان سيمرُّون المدينة.
والحقيقة في هذا الأمر أن الزيارة ليس لها علاقة لا بالعمرة ولا بالحج، فزيارة مسجد الرسول ﷺ سنة مستقلة، ولهذا الرسول ﷺ قال:« لا تُشدُّ الرِحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ».
فكون الشخص يزور مسجد الرسول ﷺ فهذا سنة؛ أما ما يفعله بعض الناس من اعتقاد زيارة قبر رسول الله ﷺ؛ يعني: يُشدَّ الرِحل من أجل زيارة قبر رسول الله ﷺ ويجعلون المسجد تبعاً، هؤلاء عكسوا ما بيّنه الرسول ﷺ؛ فإن قوله ﷺ:« لا تُشدُّ الرِحال إلا إلى ثلاثة مساجد » هذا حَصْرٌ من الرسول ﷺ وهو من الحصر الحقيقي، وليس من الحصر الإضافي؛ لأن الحصر ينقسم إلى قسمين:
حصر حقيقي، وحصر إضافي، فلو قلنا: إن شدَّ الرَحِل لزيارة قبر الرسول ﷺ مشروع ٌ لجعلنا الحصر -هنا- إضافياً، ونُعدِّي ذلك إلى قبور الأشخاص الآخرين؛ وبخاصةٍ الذين يكونون من الأنبياء، أو من الأولياء، أو ما إلى ذلك. فالرسول ﷺ سدَّ هذا الباب، وعبَّر بطريق الحصر الحقيقي.
إذن المشروع هو أن الشخص يأتي إلى مسجد الرسول ﷺ ويصلّي فيه ركعتين، وإذا فرغ من الركعتين فإنه يُسلِّم على الرسول ﷺ ثم على أبي بكرٍ، ثم على عمر؛ أما شد الرحل لزيارة قبره ﷺ فليس ذلك بمشروع. وبعض الناس يقول: إن الشخص الذي يقول: لا تُشدَّ الرحِال إلى زيارة قبر الرسول ﷺ هذا لا يُحب الرسول ﷺ.
فالحقيقة أن محبة الله -جلّ وعلا- ومحبة رسوله ﷺ مأخوذةٌ من أوامر الله ونواهيه، فنحن إذا أنْزَلنا الرسول ﷺ في المنزلة التي نهانا أن نُنْزِله فيها كما قال ﷺ:« لا تُطْرُوني كما أطْرَت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله »[1]، نكون بهذه الطريقة قد حصل منا اعتداء على سنة رسول الله ﷺ من جهة، ومخالفة لأوامر الله -جلّ وعلا- من جهةٍ أخرى؛ لأن الله تعالى قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ"[2]، ويقول تعالى:"قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ"[3]، فالتقيُّد بأوامر الله وأوامر رسوله ﷺ وبما نهى الله عنه ونهى عنه رسوله ﷺ هذا هو عين الصواب.
أما حصول المخالفةِ لذلك كالذين يحصل منهم الغُلوُ ويُنزِّلون المخلوق منزلة الخالق ادِّعاءً منهم أنهم يحبونه، فليست هذه محبة وإنما هي غلو، وقد نهى عنها الله -جلّ وعلا-، ونهى عنها رسوله ﷺ، فقد يصل الغلو في الشخص إلى أن يُنزِّل المخلوق منزلة الخالق، ويجعل له من الحق كما يجعله للخالق. والله -جلّ وعلا- يقول:"فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"[4]، ويقول -جلّ وعلا- في الحديث القُدسي: « أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه »، فليحذر الذين يسلكون هذه المسالك ويُشرِكون مع الله غيره، ويصرِفون شيئاً من حقوق الله -جلّ وعلا- إلى الخَلْق، عليهم أن يتنبَّهوا لأنفسهم، وأن يعودوا إلى رشدهم، فإذا كانوا ينصحون الناس بهذا الأمر عليهم أن ينصحوا أنفسهم، وأن يعدِلوا عن إضلال الناس في الحقيقة؛ لأن هذا إضلال. وعلى الأتباع أن يتنبَّهوا إلى أن الغلوَّ؛ سواءٌ كان في الرسول ﷺ، أو كان في الأولياء والصالحين -إن هذا ليس من الشرعِ في شيءٍ، فقد يكون كفراً، وقد يكون شركاً، وقد يكون معصية، فليحذر هؤلاء الأتباع؛ لأن الله -جلّ وعلا- قال:"فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[5]. وبالله التوفيق.