Loader
منذ 3 سنوات

التوجيه لما تقع فيه الجماعات الإسلامية من خلاف


  • الكمال
  • 2021-12-04
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (2419) من المرسل ع. غ، من مصر، يقول: يضايقني كثيراً ما يحصل من اختلاف بين الجماعات الإسلامية، رجائي توجيهي وتوجيه كلمة لتلك الجماعات.

الجواب:

        هذه المسألة التي سأل عنها السائل هي في الواقع منتشرة، وفيه تفرق، وهذا التفرق له أسباب، ومن أهم أسبابه أن يكون هناك شخصٌ يريد أن يلفت النظر إلى نفسه، ثم بعد ذلك يخطط لطريقةٍ، وبعد ذلك يحاول أن يضم إلى نفسه أشخاصاً يؤمنون بهذه الطريقة، وهو لا يفكر في انطباق هذه الطريقة على الشرع من كلّ وجه، فقد يكون قاصراً بالنسبة لعلمه في الشريعة، وإن كان مدعياً بأنه عالمٌ في الشريعة، فدعوى الشخص شيء، وواقعه شيءٌ آخر، ويكون من أسباب انتحاله هذه الطريقة أن تكون مصدر رزقٍ له، وأن تكون سبباً في وضعه في المجتمع على شكلٍ يلفت النظر، وأن يكون له وزنٌ عند الأشخاص الذين يديرون شؤون الأمة التي هو فيها.

        وإذا نظرنا إلى هذه الجماعات فيما بينها وجدنا أن كثيراً منها يسخر بعضهم من بعضٍ من ناحية الطريقة، ويُجهل بعضهم بعضاً، ولا يصلّي بعضهم خلف بعض، وقد تصل الدرجة إلى أن يكفّر بعضهم بعضاً.

        ومن المعلوم أن هذه الشريعة شريعةٌ كاملة وشاملة، وهي مبنيةٌ على قواعد ثابتة لا تتغير، وليس في قواعدها خلافٌ من ناحية واقع الأمر، وليس في فروعها خلاف من ناحية واقع الأمر؛ ولكن المشكلة تكمن في أن الشخص ينتسب إلى هذه الشريعة، ولا يكون على المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه من ناحية علمه بالشريعة، وفهمه لها، وقدرته على تطبيقها، والدعوة إليها، والصبر على الأذى فيها، كما كان ﷺ؛ لأنه هو القدوة وهو الأساس في هذا الأمر، ولهذا قال ﷺ: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ». وقال ﷺ: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" قال الراوي: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة ».

        وينبغي للإنسان أن يسأل عن هدي الرسول ﷺ، وأن يتمسك بهديه ﷺ قولاً، وفعلاً، وقصداً، فإن أمكنه أن يعلم ذلك فيها، وإن لم يتمكن فإنه يسأل أهل الذكر؛ لأن الله  تعالى يقول: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[1].

        أما هذا التفرق فلا شك أنه مضرٌ من الناحية الدينية: قولا،ً وعملاً، واعتقاداً، فمفروضٌ أن يلتزم الشخص مبدأ الرسول ﷺ، ومن أراد أن يدعو إلى مبدأ فإنه يدعو إلى مبدأ الرسول ﷺ.

         ومن كان معنياً بسياسة أمر الأمة، فإنه يحملهم على مبدأ رسول الله ﷺ، فقد قال الشافعي، فيما يتعلق بالقرآن والسنة وكلام أهل العلم، ذكر أن القرآن هو أصل التشريع، وأن السنة مبينةٌ للقرآن، وأن كلام أهل العلم مبيّنٌ لذلك إلى أن تقوم الساعة. فإذن عندنا كلام الله، وكلام رسوله، وكلام أهل العلم، والله  تعالى يقول في سورة النساء: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"[2]، فطاعة الله باتباع كتابه، وطاعة رسوله باتباع سنته، وطاعة أولي الأمر قسمان:

        القسم الأول: العلماء الذين يبيّنون كتاب الله، ويردون سنة رسول الله ﷺ إلى كتاب الله.

        والقسم الثاني: الذين ينفّذون شرع الله -جلّ وعلا-. فالعلماء يطاعون في بيانهم لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، والحكّام يُطاعون في تنفيذهم لشرع الله -جلّ وعلا-.

            ومتى استقامت الأمة على ذلك، فلا حاجة إلى تعدّد هذه الأحزاب. كذلك يكون له أثر من ناحية الاقتصاد، فلا يحصل تعاون من ناحية الاقتصاد، وكذلك من ناحية إعاقة التفكير؛ لأن كلّ مجموعةٍ ينحصر تفكيرها في اتباع رئيسها، قد يكون رئيسها ليست له قدرة على الوجه المطلوب، وحينئذٍ يكون عائقاً لهذه المجموعة، عائقاً لها عن توسّعها في التفكير، من ناحية بُعْد النظر، ومن ناحية سعته، ومن ناحية عمقه، فالواجب هو: أن يكون الناس أمةً واحدةً تأخذ من كتاب الله، وسنة رسوله ﷺ. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (43) من سورة النحل.

[2] من الآية (59) من سورة النساء.