حكم التسبب في غضب الوالدين
- فتاوى
- 2021-06-25
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (635) من المرسل السابق، يقول: أنا شاب متدين الحمد لله، وأحاول ألّا أقصر في حق الله عليّ؛ لكن عندي مشكلة وهي أنني في بعض الأوقات لا أتحمّل كلاماً من والدي ولا والدتي، وأراجعهم القول حتى يغضبوا عليّ. وأحياناً يدعون عليّ وهم غاضبون، ويسخطون عليّ، وفي نفس الوقت أنا أغضب من نفسي وأعاتبها؛ لكن لا أجد في نفسي القدرة على طلب السماح والعفو منهم. والآن قد منّ الله عليّ وتبت، فأسأل عما مضى كيف أكفّر عنه؟
الجواب:
إن للوالدين على ولدهما حق فرضه الله -جل وعلا- بقوله: "وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ"[1].
فعلى العبد أن يعامل والديه من جهة الأقوال؛ و كذلك من جهة الأفعال معاملة حسنة يرضاها الله -جل وعلا- عنه، وإذا خالف ذلك فإنه يكون آثماً؛ إلا إذا كان والده يأمره بمعصية، أو والدته تأمره بمعصية؛ فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلا يجوز له أن يطيع والده، ولا يجوز له أن يطيع والدته في ذلك.
ومما يحسن التنبيه عليه في هذا المقام هو أن بعض الآباء وبعض الأولاد تكون بينهم فجوة، وهذه الفجوة قد تزيد بالنظر لكثرة ما يأتي من الولد من بعض المخالفات، وبالنظر لما يأتي من الوالد من الشدة.
ومن المهم في هذا المقام هو معرفة طبيعة الولد؛ يعني: الأب يتعرف على طبيعة ابنه، والولد يتعرف على طبيعة أبيه وعلى طبيعة أمه، وكلّ واحد منهما يعامل الآخر بمقتضى طبيعته؛ لكن بشرط ألا يكون في ذلك مخالفة لحدٍّ من حدود الله، وعندما تعرف طبيعة الشخص وتتعامل معه معاملة تخالفها؛ فأنت لا تصل إلى نتيجة معه، وقد قال الشاعر:
ولا تلزمن الناس غير طباعهم فتتعب من طول العتاب ويتعبوا
فقد يكون الشخص أحمق وتريد أن يتعامل معك معاملة الحليم، وقس على ذلك سائر الصفات الأخرى؛ فالمهم أن كلّ واحد من الآباء والأبناء يعرف طبيعة الآخر، ويتعامل معه على مقتضى طبيعته؛ مع المحافظة على موافقة الشرع وعدم مخالفته. وهكذا بالنسبة لمعاملة الأولاد مع أمهاتهم، ومن حصل منه نقص أو تعد على الآخر فعليه أن يستبيحه من الشيء الذي حصل؛ لأن الله -جلّ وعلا- حرّم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرماً، فمقتضى الأبوة لا يؤخذ منه أن له حقاً في ظلم ولده، ومقتضى الأمومة لا يؤخذ منه على أن الأم تظلم ابنها، ومقتضى البنوة لا يؤخذ منه أن يقصّر الابن في حق أبيه، ولا أن يقصّر في حق أمه؛ وكذلك لو تغيرت ظروف الابن؛ بمعنى: إنه صار متعلماً، والأب لم يتعلم، أو صار غنياً والأب فقيراً، فتجد أن بعض الأبناء يتنكر لأبيه إذا بلغ الابن مستوى يفوق مستوى والده؛ فيتعامل معه تعاملاً سيئاً، وهذا لا يجوز للابن أن يعمله.
والمقصود هو أن كلّ واحد من الأولاد، وكذلك كلّ واحد من الآباء، وكذلك كلّ واحدة من الأمهات عليهم أن يتعامل بعضهم مع بعض بالتي هي أحسن، ومن قصّر منهم فإنه يستبيح صاحب الحق. وعلى صاحب الحق أن يسمح؛ لأنه إذا سمح فقد حصل على أجر عظيم، و لهذا يقول الله -جلّ وعلا-: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33) وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)"[2]، فإذا حصل التغاضي بين الآباء والأولاد، وبين الأمهات و الأولاد؛ بمعنى: إذا هفا واحد منهم على الآخر هفوة فإن صاحب الحق يتسامح في ذلك، فهذا أبقى للوئام وللاتفاق، وفيه بعد عن استمرار الخلاف فيما بينهما.
وكثير من الآباء على أساس أنه أب يفرض على ولده أنه يطيعه في الخير والشر، وهذا ليس بصحيح؛ وكذلك بالنسبة للأبناء يحصل منهم تمرد على آبائهم لسبب أو لآخر؛ إما لأن الولد في سن المراهقة، أو لأن الولد اقترن بقرناء سوء، أو لغير ذلك من الأسباب؛ فعلى الأب أن يكون كالطبيب مع ابنه، وعلى الابن أن يحرص على رضا والده؛ وهكذا بالنسبة للوالدة مع ولدها، وللولد مع والدته. وبالله التوفيق.