حكم التصرف في وصية الميت، والبدع التي تقام في العزاء
- الوصية
- 2021-06-17
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (249) من المرسلة س.ح.ع من بغداد - المحمودية، تقول: زوجة أبي امرأة كبيرة في السن، تمتلك خاتماً من ذهب، وعشرين ديناراً، كأموال خاصة، كانت تقول قبل وفاتها: إنها تريد أن تعطي الخاتم للمرأة التي تغسلها بعد وفاتها، وعندما تُوفيت، دفعت عشرة دنانير من العشرين إلى المرأة التي غسَّلتها، وبعد ذلك بِيع الخاتم بخمسة وثلاثين ديناراً، فأصبح مجموع ما تبقى من ثمن الخاتم والعشرين ديناراً هو خمسة وأربعون ديناراً، صُرفت كما يلي: 20 ديناراً أجرة السيارة التي أقلت العائلة لزيارة قبرها في الأربعين، دينار و900 فلس اشتريت به حاجة لطفل زوجها الذي فقد أمه أيضا، بقية المال أُقيمت به فاتحة في الليلة السابعة لوفاتها، وفي المدة الواقعة بين وفاتها والأربعين أُقيمت فواتح أيضاً، وفي ليلة الأربعين أُقيمت فاتحة أخرى، وكل هذا من بقية المال.
فهل يجوز ذلك، أم يجب دفع المبلغ كله للمرأة التي غسّلتها، أم أسترجع الخاتم وأعطيه للمرأة؟ وإذا لم أستطع أن أسترجعه، فماذا أفعل؟
الجواب:
أولاً: إن هذا التصرف الذي حصل من الذي سأل، فيما أوصت به الميتة من إعطاء الخاتم لمن غسّلتها، فهذا التصرف الذي حصل منها تصرفٌ في غير محله.
وذلك أن الشخص إذا أوصى فتُعامل ألفاظه في وصيته كمعاملة ألفاظ الشارع من جهة النص والدلالة، وفي هذه المسألة بالذات الميتة أوصت بأن يُدفع خاتمها الذي عيّنته أجرة للتي تغسلها.
وعلى هذا الأساس، فبيعه غير صحيح؛ لأنه حق للمرأة التي غسلتها، وحينما بِيع فلا بد من التفاهم مع المرأة التي غسّلتها، هل ترضى بعشرة الدنانير التي أخذتها وهي أقل من قيمة الخاتم بكثير؛ لأن السائلة ذكرت أنها باعت الخاتم بخمسة وثلاثين دينارا، فإذا رضيت بالعشرة بدلا عن الخاتم، فقد أسقطت ما زاد من استحقاقها، وإذا لم ترضَ فإنها تُخبر بأن الخاتم بِيع بهذا الثمن، فإذا رضيت بثمنه فإن الشخص الذي تصرف وباع الخاتم هو الذي يدفع لها ما تبقى لها من حقها وهو 25 دينارا، وإذا كانت لا ترضَى إلا بعين الخاتم، فإنه يتصل بالمرأة أو بالشخص الذي اشتراه، ويُـخبر بواقع الأمر، ويُطلب منه أن يسمح بالخاتم، ويُعاد إليه المبلغ، ويُسلم الخاتم إلى المرأة التي غسّلتها.
فالحاصل من هذا: أنها إما أن ترضى بالعشرة التي تسلمتها أو ترضى بقيمته كاملة، أو أنها لا ترضى إلا بتسلم عينه، والمسؤول عن ذلك هو الشخص المتصرف.
ثانياً: جاء في السؤال أن المرأة عملت خواتم أو خواتيم أو فواتح؛ يعني أنها تجمع أناسا يقرؤون القرآن إما في اليوم الأول أو السابع أو الرابع عشر أو الأربعين إلى غير ذلك من الأيام التي يحددها المبتدعون وتدفع لهؤلاء أجرة على قراءتهم.
وهذه الأجرة من تركة المتوفاة، وهذا العمل بدعة؛ لأن الرسول ﷺ لم يفعلها، ولم يأمر بها ولم يقرها، وكذلك خلفاؤه من بعده وأصحابه
-رضوان الله عليهم أجمعين-، وكذلك التابعون، ومن تبعهم بإحسان.
وبناء على أنه بدعة، كما في جاء في قوله ﷺ: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »، وفي رواية « من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد »، فإن الشخص الذي دفع هذه الأموال لهؤلاء من مال المتوفاة، يجب عليه أن يسلمه من ماله، وأن يدفعه لمستحقيه من الورثة، وبالله التوفيق.
المذيع: أخذت السائلة العائلة لزيارة قبر هذه المتوفية في الأربعين، لا أدري هل لكم تعليق على هذا الأمر؟
الشيخ: هذا الأمر داخل من حيث العموم في مسألة الخواتيم أو الفواتح التي يعملونها لها، لكن هذا يحتاج إلى تنبيه من جانب آخر، وهو أن الذين زاروا قبرها إذا كان منهم نساء، فهذا لا يجوز؛ لأن الرسول ﷺ لعن زائرات القبور[1]، فحينئذ يكون الذي تصرف آثماً من جهة نقله النساء لزيارة قبرها، ومن ناحية إذا كان القبر في محل بعيد، ويحتاج إلى شد رحل، فيكون فيه نهي من وجه آخر للرجال وللنساء. فأما النساء فكما أنه لا يجوز لهن زيارة القبور، ولو في البلد فكذلك لا يجوز لهن شد الرحل، وأما الرجال فلا يجوز لهم شد الرحل لزيارة القبور؛ لأن الرسول ﷺ قال: « لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى » [2].
وعلى هذا الأساس: فإن المال الذي دفعه هذا الشخص أجرة على هذا الوجه الذي ذُكر لا بد أن يدفعه من ماله؛ لأنه آثم في دفعه.
يتلخص أن المال الذي دفعه في غير وجهه ليس من اختصاصه، وليس من حقه، وإنما هو حق للورثة يدفعه من ماله لهم، وبالله التوفيق.
[1] أخرجه أحمد في مسنده(4/363)، رقم(2601)، والترمذي في سننه، أبواب الجنائز، باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء(3/362)، رقم(1056)، وابن ماجه في سننه، كتاب الجنائز، باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء(1/502)، رقم(1574).
[2] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجمعة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (2/60)، رقم(1188)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد(2/1014)، رقم(1397).