معنى قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ......
- التفسير
- 2021-12-11
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (3404) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قول الحق تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)"[1].
الجواب:
هذه الآية فيها بيان نوعٍ من تأديب الله -جلّ وعلا-، و بيان ذلك: أن الرسول ﷺ كان يعقد مجالس العلم، ويحضر هذه المجالس من تيسر له الحضور من الصحابة، ويحضر من رغب الحضور وتيسر له ذلك من اليهود، ومن تعظيم الصحابة -رضي الله عنهم- لرسول الله ﷺ، ومحبتهم له: أنهم يريدون أن يوجّه وجهه إليهم حينما يتكلّم، فيطلبون منه المراعاة "رَاعِنَا"[2] من المراعاة، يعني: اصرف وجهك إلينا حينما تتكلم، ولا تصرف وجهك إلى اليهود، فاستغل اليهود هذه الفرصة، فصاروا يستعملون هذه الكلمة لمعنىً فيه سبٌ للرسول ﷺ فيقولون: راعٍ يا محمد، يعني: من الرعونة. فلما كانت هذه الكلمة تستعمل على هذين الوجهين:
الوجه الأول هو: المراعاة. والوجه الثاني هو: الرعونة. وكان المعنى الأول طيباً، والمعنى الثاني خبيثاً، سد الله هذه الذريعة، وأمر الصحابة -رضي الله عنهم- أن يتركوا استعمال هذه الكلمة المحتملة لحقٍ وباطل على حسب المتكلم بها، وعلى حسب المادة التي يأتي بها في الكلام، فمنع الله استعمال هذه الكلمة، وأبدلهم بكلمةٍ أخرى، وهي قوله تعالى: "وَقُولُوا انْظُرْنَا"[3].
وهذا ينبّه على أن الشخص يستعمل الكلمات التي لا تحتمل إلا معنى حقاً، وهذه الآية من الآيات التي جاءت مقررةً لقاعدة سد الذرائع في الشريعة. وفيها تنبيهٌ على أن الإنسان عندما يمنع غيره من أمر، وهذا الأمر يرى أنه من الأصلح منع هذا الشخص عنه، فإنه يوجد له البديل؛ لأن الله لما منعهم من استعمال هذه الكلمة، أوجد لهم البديل.
وأما قوله تعالى: "وَاسْمَعُوا "[4] هذا فيه تنبيهٌ للصحابة -رضي الله عنهم- بأن يتنبهوا إلى العدول عن استعمال اللفظ الأول، والأخذ باستعمال اللفظ الثاني. وقوله: "وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[5] هذا فيه وعيدٌ وتهديدٌ لليهود الذين يستعملون هذه الكلمة لهذا المعنى السيئ، وفي هذا تنبيه ٌعلى أن الشخص عندما يستخدم تأويل القرآن تأويلاً منحرفاً عن جادة الحق، وهو يتعمد ذلك، فهو داخلٌ في هذا الباب. أما من لم يتعمد فإنه يُنبّه.
وأما قوله تعالى: "مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ "[6] هذا فيه بيانٌ لما يكمن في نفوس أعداء الله -جلّ وعلا- من الحسد، ومن البغض للإيمان وأهله.
وهذه قاعدٌة مستقرةٌ إلى أن تقوم الساعة، يعني: إن أهل الشر لا يريدون خيراً لأهل الخير، وإذا كان أهل الخير في خيرٍ فإنهم يحسدونهم على هذه النعم، ويستخدمون الأسباب والوسائل التي تحول بينهم وبين تحقيق هذا الخير.
كما أنهم يستعملون الوسائل التي يكون فيها ضررٌ على المسلمين، فهم يحاولون منع الخير عنهم، ويحاولون إيصال الشر إليهم، وهذه القاعدة لا يخرج عنها كافرٌ مطلقاً في أي زمنٍ من الأزمان.
وأما قوله تعالى: "وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ"[7] هذا فيه بيان أن الله -جلّ وعلا- هو المتصرف في هذا الكون وحده، كما في قوله تعالى: "قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"[8]، ويقول جلّ وعلا في موضعٍ آخر: "اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ"[9]، فعندما يخص الله -جلّ وعلا- بعض عباده بما شاء من الفضل، فهذا أمر راجعٌ إليه، وتصرفه جارٍ على مقتضى حكمته.
وأما قوله جلّ وعلا: "وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ"[10]، فهذا فيه بيان أن ما يضيفه إلى من شاء من عباده من الفضل من فضله -جلّ وعلا-، وأنه هو صاحب الفضل، فالاختيار إليه، والفضل منه -جلّ وعلا-. فعلى العبد أن يسأل الله -جلّ وعلا- أن يؤتيه من فضله، وأن يصرف عنه أسباب السوء. وبالله التوفيق.