Loader
منذ سنتين

ما حكم حفظ القرآن الكريم؟ وما السبيل الأمثل لحفظه؟ وهل في قراءة التفاسير إعانة على الحفظ؟


الفتوى رقم (11111) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما حكم حفظ القرآن الكريم؟ هل هو واجب على كلّ أحد؟ وما السبيل الأمثل لحفظه؟ وهل في قراءة التفاسير إعانة على الحفظ؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن وجعله شريعة عامة وكاملة، فتعبّد الخلق به من الجن ومن الإنس إلى أن تقوم الساعة، وأرسل رسوله ﷺ وآتاه مثل القرآن؛ بمعنى: إن السنة مبينة للقرآن. والشخص عندما يريد أن يحفظ القرآن عن ظاهر قلب فإنه لا بدّ له من طريقة يسلكها من أجل أن يجمع بين الفهم وبين حفظ القرآن، وهذه الطريقة:

        أنه يحدد الآيات التي تشتمل على موضوع واحد، ويوجد كثير من التفاسير تعتني بهذا؛ يعني: الآيات التي تتكلم عن موضوع واحد يذكرونها جميعاً ثم يتكلمون عن هذا الموضوع؛ مثل: تفسير ابن كثير جرى على هذه الطريقة. بعد تحديد الآيات يحتاج إلى معرفة ما في هذه الآيات من المفردات؛ يعني: معانيها اللغوية، ومعانيها الشرعية؛ وكذلك يعرف سبب النزول إذا كان لهذه الآيات سبب نزول. وفيه كتب تعتني بمفردات القرآن؛ مثل: مفردات الراغب الأصفهاني. وفيه كتب تعتني بسبب النزول؛ مثل: المحرر في أسباب النزول ومثل لباب النقول في أسباب النزول، فلابد من معرفة المفردات ولابد من معرفة أسباب النزول؛ وكذلك يحتاج إلى معرفة الناسخ والمنسوخ؛ لأنه قد يقرأ الآية وهي منسوخة ثم يحفظها على أنها محكمة، ويتكلم عنها بأنها محكمة فلا بدّ من معرفة ذلك.

        ولابدّ من معرفة الآيات المشكلة؛ لأن القرآن يوجد فيه بعض الآيات عندما يقرؤها الإنسان يحصل عنده شيء من التساهل؛ مثل: قوله -تعالى-: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}[1] مــع قولــه -تعالى-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[2]. فالآية الأولى مثبتة للسؤال، والآية الثانية نافية للسؤال، فيحصل عنده إشكال.

        وفيه كتب اعتنى مؤلفوها -رحمهم الله- ببيان المشكل من القرآن؛ مثل: كتاب درة التنزيل وغرة التأويل في متشابه التنزيل، وكتاب باهر البرهان في متشابه القرآن، وغير هذين من الكتب موجودة في المكتبات.

        بعد معرفته لهذه الأمور، يحتاج إلى معرفة معاني الجمل على حسب علامات الوقف، ومن أحسن من سلك هذا المسلك ابن جرير في تفسيره؛ فإنه يقطع الجمل على حسب معنى الجملة. ثم بعد ذلك يعرف المعنى العام لهذه الآيات، ثم بعد ذلك يعرف ما يستنبط من هذه الآيات من الأحكام.

        فإذا انتهى من هذه الأمور بعد ذلك يأتي إلى الحفظ، وعندما يريد الحفظ لا بدّ أن يتنبه إلى أن القرآن يوجد فيه بعض الآيات المتشابهة من ناحية اللفظ، فيحتاج إلى التأكد من هذا في مثل قوله -تعالى- في سورة البقرة: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ}[3] وقوله في سورة المائدة والنحل: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}[4] فكلمة (به) مقدمة في سورة البقرة، ومؤخرة في سورة المائدة وفي آية النحل.

        وفيه كتب اعتنت بالمتشابه اللفظي، ففيه كتاب اسمه دليل الآيات المتشابهات موجود في المكتبات. وفيه كتاب مختصر اعتنى بنفس الموضوع اسمه دليل الآيات المتشابهات للشيخ عبدالمحسن بن حمد البدر، فهذا مختصر لكنه جيد.

        فإذا انتبه لهذا الأمر يحفظ القرآن يردد الآيات -مثلاً- عشرين مرة خمسين مرة على حسب قوة حفظه وضعف حفظه، فإن كان ضعيفاً يكرره كثيراً، وعندما يحفظ الشيء يتعاهده مستقبلاً.

        والحمد لله فيه ظاهرة على مستوى العالم من ناحية العناية في حفظ القرآن، فتجده في دول مثل: بريطانيا، أمريكا، فرنسا؛ وكذلك بالنظر إلى الدول التي تنتسب إلى الإسلام، فلا يسأل الإنسان ما حكم حفظ القرآن؟ فهذا لا يسأل عنه، فالله -سبحانه وتعالى- تكفل بحفظ القرآن فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[5] ولم يكل حفظه إلى خلقه؛ كما قال: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ}[6]. وبالله التوفيق.



[1] الآية (6) من سورة الأعراف.

[2] الآية (39) من سورة الرحمن.

[3] من الآية (173) من سورة البقرة.

[4] من الآية (115) من سورة النحل.

[5] الآية (9) من سورة الحجر.

[6] من الآية (44) من سورة المائدة.