Loader
منذ سنتين

ما طريقة حفظ القران الكريم، وما الأسباب المعينة على حفظه؟


الفتوى رقم (8715) من المرسلة ح.ع. ف، تقول: أريد أن أحفظ شيئاً من القرآن، فهل يجب عليّ أن أحفظ التفسير أم أقتصر على حفظ القرآن فقط، وهل يجب أن أتلو القرآن بالتجويد؟ كما أرجو من فضيلتكم ذكر الأسباب المعينة على حفظ القرآن الكريم؟

الجواب:

        أما بالنسبة لقراءة القرآن بالتجويد فجاءت أدلة تدل على أن الشخص إذا كان يقرأ القرآن فإنه يرتله كما قال -جل وعلا-: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا}[1]، وإذا قرأه قراءةً غير مرتلة لكنها غير مخلةٍ بالحروف يعني غير مخلةٍ بالقراءة، فهذا جائز له ولكن إذا رتل فإنه يكون أفضل، وإذا قرأ بالتجويد فهذا أيضاً يكون أفضل.

        أما بالنظر إلى حفظ القرآن، فلا شك أن عناية الشخص في بداية حياته خاصةً عنايته بحفظ القرآن هذا قد يكون من توفيق الله -جل وعلا- له؛ لأنه لن يدرك قيمة حفظ القرآن عن ظهر قلبٍ إلا بعدما يبلغ من العمر أربعين سنة أو خمسين سنة أو أكثر من ذلك؛ لأنه يجد فائدته حينما تكون له صلاةٌ في النهار أو صلاةٌ في الليل ويقرأ عن ظهر قلب، وكذلك تسهل عليه قراءته إذا كان يمشي في الطريق وإذا كان مثلاً على طهارة من الحدث الأصغر، أو كان مثلاً على طهارة من الحدث الأصغر والأكبر أو كان على طهارةٍ من الحدث الأكبر، ولكنه على غير طهارةٍ من الحدث الأصغر، فإنه يجوز له أن يقرأه عن ظهر قلب، المهم أنه يكون فيه تيسير لكثرة تلاوته.

        أما بالنظر إلى معرفة معاني القرآن فإن الشخص يكون عنده تفسير، يختار تفسيراً من التفاسير وإذا أراد أن يحفظ فإنه يحتاج إلى تحديد المقطع الذي يريد أن يحفظه؛ لأن كل سورة من سور القرآن وبخاصةٍ السور الطويلة والمتوسطة -لكن مثل قصار المفصل هذه السورة الواحدة تشتمل في الغالب على موضوعٍ واحد- مثل {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ}[2] ومثل {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}[3]، ومثل {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ}[4]، ومثل {تَبَّتْ}[5] وما إلى ذلك.

        لكن مثل سورة البقرة تشتمل على جملة من المواضيع، سورة آل عمران تشتمل على جملة من المواضيع، يحدد الموضوع أولاً، يحدد الآيات أولاً ثم يقرأ تفسيرها.

        وقد قال ابن عباسٍ: إن تفسير القرآن على أربعة أوجه:

        الوجه الأول: ما تعرفه العرب من لغتها (كالزنيم والخرطوم).

        والوجه الثاني: مالا يعذر أحدٌ بالجهل به مثل: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا، وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) هذا يعرفه الإنسان بفطرته.

        والوجه الثالث: من التفسير ما يعلمه العلماء، وهذا هو المتشابه الإضافي، كقوله -جل وعلا-: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ}[6]، مع قوله -جل وعلا-: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)}[7]، ففي الآية الأولى نفى السؤال، وفي الآية الثانية أثبت السؤال، فالعلماء يقولون إن هذا من المتشابه الإضافي، فالله -جل وعلا- نفى السؤال بالنسبة إلى بعض المواقف في القيامة، وأثبت السؤال بالنسبة إلى بعض المواقف في القيامة.

        والوجه الرابع: ما استأثر الله -جل وعلا- بعلمه، وهذا هو المسمى بالمتشابه الحقيقي؛ كمعرفة كُنه ذات الله -جل وعلا- وكُنه أسمائه وصفاته، ولهذا كان الإمام الشافعي يقول: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسل الله وما جاء عن رسل الله على مراد رسل الله.

        فالمقصود أن الشخص إذا حدد الموضع الذي يريد أن يحفظه يتنبه إلى المفردات التي فيها شيء من الغموض ويعرف معناها، ويعرف أيضاً موضوع هذه الآيات، الموضوع العام ما هو؟ ويعرف هل هذه الآيات لها سبب نزول أو ليس لها سبب نزول، ويعرف أيضاً هذه الآيات هل لها علاقة بما قبلها أو ليست لها علاقة وهكذا.

        ثم بعد ذلك ينظر في تفصيل تفسير هذه الآيات من ناحية الأحكام التي اشتملت عليها، وبعد ذلك يحفظها ولو لم يتم حفظ القرآن إلا في خلال سنتين أو ثلاث سنوات لكن على هذه الطريقة يكون قد جمع بين حفظ القرآن من جهة وبين معرفة ما يسر الله له من تفسيره من جهةٍ أخرى.

        أما بالنظر إلى الأسباب المعينة على حفظ كتاب الله -جل وعلا- فهي:

        أن الشخص يصدق مع الله من ناحية السؤال أن يعينه على حفظه، وأن يتجرد من فعل المعاصي سواءٌ كانت هذه المعاصي ترك واجب أو كانت هذه المعاصي بفعل شيءٍ من المحرم؛ لأن المعاصي لها تأثير في عدم استفادة الإنسان من السرعة في حفظ القرآن، ولهذا تجد بعضهم عندما يقرأ مرة أو مرتين أو ثلاث أو أربع أو خمس، لكن بعضهم يردد كثيراً ويكون مرتكب لشيءٍ من المعاصي، وارتكابه لشيءٍ من المعاصي هذا يمنعه من الحفظ، وهذا من باب العقوبة.

        فالمقصود أن الشخص يحرص على فعل الواجبات ويحرص على ترك المحرمات، وإن زاد وفعل المندوبات وترك المكروهات وترك أيضاً المتشابهات وصدق مع الله -جل وعلا-، ثم يختار أيضاً المكان المناسب ويختار الوقت المناسب بالنظر إلى الحفظ؛ لأن فيه أوقات مثل آخر الليل أو مثل أول النهار؛ يعني: في الوقت الذي يكون فيه هدوء من جهة، ويكون فيه نشاط من جهةٍ أخرى، ويختار المكان الذي ليس فيه أصواتٌ تكون مزعجة ومؤثرة له، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (4) من سورة المزمل.

[2] الآية (1) من سورة قريش.

[3] من الآية (1) من سورة الفيل.

[4] الآية (1) من سورة الماعون.

[5] من الآية (1) من سورة المسد.

[6] الآية (39) من سورة الرحمن.

[7] الآيتان (6-7) من سورة الأعراف.