حكم التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث
- المواريث
- 2021-06-22
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (422) من المرسل السابق، يقول: نص القرآن على أن للذكر مثل حظ الانثيين بالنسبة لقضية الميراث، وفي معظم الدول الحديثة أصبح من الحقوق المدنية المتعارف عليها للإنسان أنه للذكر مثل حظ الأنثى الواحدة، وقد أجاز أحد علماء الإفتاء هذا الأمر؛ إذْ يقول: إن النص القرآني في تحديد نصيب الذكر والأنثى اختص بالجزيرة العربية فقط؛ لأنها كانت ملكاً لأفراد الدولة الإسلامية؛ أما الأراضي التي فتحتها الدولة الإسلامية فتعتبر ملكاً للدولة الإسلامية؛ أي: إنها لها الحق في سن التشاريع التي تشاؤها فما رأيكم في ذلك؟
الجواب:
هذا السؤال له أهمية عظيمة بالنظر إلى أنه يتعلق في أمر تولى الله الحكم فيه بين أهله، ونظراً إلى أهمية هذا السؤال فإنني أجيب عنه باختصار من الوجوه الآتية:
الوجه الأول: إن هذه الشريعة كاملة في تقعيدها ومستوفية لجميع ما يحتاج إليه الناس في أمور دينهم وفي أمور دنياهم، قال تعالى: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا"[1]، فمن ادعى أن هذه الشريعة تحتاج إلى شيء من التكميل بأي وجه من الوجوه؛ فهو مناقض لدلالة القرآن والسنة ولإجماع الأمة.
الوجه الثاني: كما أن هذه الشريعة كاملة فهي -أيضاً- شاملة وعامة للإنس وللجن منذ أن نزل القرآن إلى أن تقوم الساعة، وقد جاء هذا العموم مقرراً في القرآن وفي السنة.
فمن الأدلة على تقريره في القرآن قوله تعالى: "قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ"[2]، وقال تعالى: "تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا"[3]، وقال تعالى في شأن رسالة محمد: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"[4]، ويقول الله في خصوص شمول هذه الشريعة للجن: "وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ"[5]، وقال تعالى: "قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2)"[6]؛ هذا من جهة تقرير العموم من جهة القرآن.
وأما من جهة السنة فإن الرسول ﷺ قال: « بعثت إلى الأحمر والأسود، وكلّ نبي يبعث إلى قومه خاصة »[7].
ولما رأى النبي -صلوات الله وسلامه عليه- ورقة من التوراة في يد عمر بن الخطاب t قال: « ما هذه يا ابن الخطاب؟ قال: هذه ورقة من التوراة، قال: أفي شك أنت يا ابن الخطاب؟ لو كان موسى حيّاً لما وسعه إلا اتباعي ».
ومن المعلوم أن عيسى ابن مريم ينزل في آخر الزمان، ويحكم بشريعة محمد.
فتقرر من هذه الأدلة من جهة الكتاب والسنة:
أن هذه الشريعة عامة للإنس وعامة للجن، فاليهود والنصارى والمجوس وسائر الناس داخلون في ذلك؛ إلا أن الناس في ذلك قسمان:
القسم الأول: من بلغتهم الدعوة.
والقسم الثاني: من لم تبلغهم الدعوة.
فأما من بلغتهم الدعوة، فإنهم قسمان:
القسم الأول: أمة الدعوة التي أجابت. والقسم الثاني: أمة الدعوة التي لم تجب.
فأما أمة الدعوة التي أجابت، فهؤلاء عملوا بكتاب الله وبسنة رسوله، وإن حصل من بعضهم شيء من التقصير؛ لكنه لا يؤدي إلى خروج الإنسان من دائرة الإسلام.
وأما أمة الدعوة: فأمة الدعوة هؤلاء دعوا إلى الإسلام؛ ولكنهم لم يقبلوه، وهذا وقع في عهد رسول الله فكم من الأشخاص الذين ماتوا على النفاق الأكبر، وعلى الشرك الأكبر، وعلى الكفر الأكبر.
وأما الذين لم تبلغهم الدعوة، فهؤلاء إذا جاء يوم القيامة يخرج الله لهم لساناً من النار ويأمرهم باقتحامه، فمن اقتحمه دخل الجنة، ومن امتنع دخل النار؛ لأن الله لا يعذب أحداً قبل إقامة الحجة عليه؛ كما قال تعالى: "وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا"[8].
الوجه الثالث: بما أن هذه الشريعة كاملة، وبما أنها شاملة لجميع الناس للإنس وللجن، فلا يجوز لأحد أن يعارضها بأي وجه من وجوه المعارضة، وأن يقدح في شيء منها.
الوجه الرابع: بما أنها كاملة وعامة، ولا يجوز لأحد أن يعترض عليها بأي وجه من وجوه الاعتراض، فلا يجوز لأحد أن يشرّع شيئاً من الأمور؛ كالقوانين الوضعية التي تضعها أي حكومة كانت على وجه الأرض، ومن شأن هذه القوانين أن تكون معارضة لكتاب الله ولسنة رسوله.
ومن ذلك ما جاء في السؤال من أن جعل نصيب الذكر مثل حظ الأنثى مرتين أن هذا خاص بالجزيرة العربية؛ وأما الدول الأخرى فإن أصحابها يشرّعون ما شاءوا من الشرائع، ومن ذلك أنهم يجعلون نصيب الأنثى كنصيب الذكر.
وقد تقرر فيما سبق أن الله هو الذي يتولى التشريع، فلا يجوز لهم أن يشرعوا.
وتقدم أن هذه الشريعة عامة، فلا يجوز أن يقال: إنها مقصورة على الجزيرة العربية.
ومن خلال هذه الأوجه يتبيّن أن جميع الحكومات التي تصدر قوانين، أو أنها لا تنقاد لحكم الله على الوجه الصحيح -أنها قد خالفت كتاب الله وسنة رسوله، ولهذا قال تعالى: " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"[9].
فهم لا يتم لهم الإيمان إلا بالتحكيم، ومع أنهم يحكمون هذه الشريعة، فأيضاً لا يجوز لهم أن يكون في نفوسهم حرج من هذا الحكم، وكما أنهم لا يجوز أن يقع في نفوسهم حرج من هذا الحكم، فلا بدّ أن يكون منهم تسليم كامل على الوجه السليم. وبالله التوفيق.
[7] أخرجه أحمد في مسنده(22/165)، رقم(14263)، وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الفضائل، باب ما أعطى الله محمداً ﷺ (6/303)، رقم(31643)، والدارمي في سننه، باب الغنيمة لا تحل لأحد قبلنا(3/1603)، رقم(2510).