حكم العمل بالمذهب الحنبلي لمن هو شافعي المذهب
- الاجتهاد
- 2021-12-03
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (2248) من المرسل ب. ح من سوريا، يقول: تحيرت في خلاف العلماء، وأذكر مثالاً على ذلك: خلافهم في ترتيب أعضاء الوضوء، فإذا كان مذهبي شافعياً، هل يجوز لي استعمال المذهب الحنبلي؟
الجواب:
هذه المسألة مسألة لها أهمية كبيرة، وينبغي للإنسان أن يعرف نفسه أولاً، وإذا عرف نفسه تبيّنت له بعد ذلك المنزلة التي يضع نفسه فيها.
فكثيرٌ من الذين ينسبون إلى العلم يضعون أنفسهم في غير مواضعها، فقد يكون الشخص جاهلاً في لغة العرب من جهة مفرداتها، وتصريفها، واشتقاقها، وسائر العلوم اللغوية التي ترجع إلى علم المفردات، وترجع إلى علم التراكيب، مما يحتاج إلى معرفة كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، ويكون جاهلاً -أيضاً- في آيات الأحكام، وجاهلاً -أيضاً- في أحاديث الأحكام، وجاهلاً في قواعد الاستنباط التي يؤخذ بها عند الاستنباط من أدلة القرآن، ومن أدلة السنة، ويكون جاهلاً في قواعد التعارض، والجمع، والترجيح إذا تعارضت الأدلة. يُضاف إلى ذلك أنه يجهل الناسخ والمنسوخ، وغير ذلك من الأمور التي يتطلبها البحث العلمي الذي يسلك من أجل التوصل إلى تقرير رأيٍ يُبنى على أقوال أهل العلم وأدلتهم، ووجه الدلالة منها ومناقشتها حسب القواعد العلمية، يكون جاهلاً في ذلك كله، وبعد ذلك يضع نفسه موضع الشخص الذي توفرت عنده هذه الأمور، فيتخبّط في أقوال أهل العلم من جهة، وفي أدلتهم وفي وجه الدلالة منها، إلى غير ذلك من الأمور. ورحم الله امرئ عرف قدر نفسه، ولهذا العلماء الذين تفقهوا على الأئمة الأربعة، وتفقهوا على تلاميذهم، قسّمهم العلماء إلى أقسام:
القسم الأول: من يكون مجتهداً في المذهب.
والقسم الثاني: من يكون مجتهداً في الفتوى.
والقسم الثالث: من يكون مجتهداً في التخريج.
والقسم الرابع: من يكون مجتهداً في الترجيح.
والقسم الخامس: من يكون مجتهداً في التصحيح.
والقسم السادس: من يكون مقلداً محضاً.
فينبغي للسائل -بالذات- أن يرجع إلى نفسه، وأن يحدد المنزلة التي يرى نفسه صالحةً فيها، وبعد ذلك يبدأ ويجري على حسب استطاعته.
أما ما ذكره من ناحية أن مذهبه شافعي، فالإمام الشافعي، هو مجتهد مطلق، ومن المعلوم أن المجتهد يخطئ ويصيب، فإذا أصاب فله أجران: أجر على اجتهاده، وأجرٌ على إصابته. وإذا أخطا فله أجرٌ على اجتهاده، وخطؤه معفوٌ عنه؛ وبخاصةٍ إذا اجتهد الاجتهاد المطلوب منه شرعاً، والإمام الشافعي، يقول: السنة مبينةٌ للقرآن، وكلام أهل العلم مبيّنٌ للسنة، فما نجده من كلام أهل العلم المستنبط من القرآن ومن السنة؛ سواءٌ أكانوا من الصحابة، أو من التابعين وأتباع التابعين، أو من بعدهم إلى يومنا هذا، ومن سيأتي من أهل العلم مستقبلاً. وكذلك أحكام العلماء التي تصدر منهم على المسائل التي تنزل ويبحثون عن مآخذها من القرآن؛ سواءٌ وجدوا مأخذاً خاصاً، أو مأخذاً عاماً، أو أنهم ردوا النازلة إلى مقاصد الشريعة العامة؛ فهذا كلّه داخلٌ في مسألة الاجتهاد؛ بمعنى: إن العالم يفهم كلام الشارع؛ يعني: يفهم من القرآن، ويفهم من السنة، وفهمه قد يكون مصيباً، وقد يكون مخطئاً كما سبق الكلام عليه.
فعلى الإنسان أن ينتبه إلى نفسه، وأن يتفقد حالته العلمية، وأن يضع نفسه في الموضع اللائق بها، وألا يتخبّط في دين الله في أمورٍ ليست من اختصاصه، ولهذا يقول الله لنبيه ﷺ: "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"[1]، ويقول: "كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ"[2]، فالإنسان قد يدّعي العلم في نفسه؛ ولكنه مخالف لذلك من حيث الواقع، ويقول الله -جلّ وعلا-: "قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ" إلى أن قال: "وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ"[3].
فالمقصود من هذا كلّه هو أن ينظر الإنسان إلى نفسه، وأن يضع نفسه في الموضع اللائق بها، وإذا أشكل عليه شيءٌ من الأمور العلمية؛ فعليه أن يسأل أهل العلم، لقوله تعالى: "فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[4]. وبالله التوفيق.