حكم الأمر بالمعروف وعدم النهي عن المنكر، ومعنى حديث « بشروا ولا تنفروا »
- الأمر
- 2022-04-30
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1590) من المرسل س. ل. أ من باكستان، يقول: ما حكم المسلم الذي يدعو الناس بالأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ نرجو التوجيه، وأن تتفضلوا بشرح حديث رسول الله ﷺ: « بشِّروا ولا تُنفِّروا »[1].
الجواب:
إن الشخص الذي يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر لم يحقق ما أمر الله -جلّ وعلا- به؛ فإن الله تعالى قال:"كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"[2]، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متلازمان قال تعالى:"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"[3]، فالشخص عندما يرى شخصاً خالف أمراً من الأوامر، أو فعل شيئاً من النواهي التي حرمها الله -جلّ وعلا- ويترك نُصحَه، فهذا قد ترك ما أوجبه الله عليه إذا كان مستطيعاً لذلك؛ لأن تغيير المنكر جاء على ثلاث درجات، وهذه الدرجات مبنية على اختلاف الناس من جهة المسؤولية ومن ناحية القُدرة:
فالدرجة الأولى: تغيير المنكر باليد، فمن لم يستطع انتقل إلى الدرجة الثانية وهي تغيير المنكر باللسان، فإن لم يستطع فإنه ينتقل إلى الدرجة الثالثة وهي القلب، يقول الرسول ﷺ:« من رأى منكم منكراً فلِيُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلِسانه، فإن لم يستطع فبِقلبه » الحديث، والله -جلّ وعلا- قال:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"[4]، ففي هذه الآية بيان طاعة الله ورسوله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وطاعة رسوله ﷺ في بيانه لشرع الله -جلّ وعلا-، يقول الله -جلّ وعلا-:"مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ"[5]، فطاعة الرسول ملازمة لطاعة الله -جلّ وعلا-، فالله هو المُشرِّع لكتابه، والرسول ﷺ مبيِّنٌ للقرآن، ثم بعد ذلك قال تعالى:"أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"[6]، وأولوا الأمر قسمان:
1- أولوا الأمر من جهة بيان الأحكام.
2- أولوا الأمر من جهة تنفيذ الأحكام.
فأما أولوا الأمر الذين من جهة بيان الأحكام فهم العلماء يبيَّنون للناس أحكام الله -جلّ وعلا- من حلالٍ ومن حرام؛ وكذلك ما كان من باب القضاء، أو كان من باب الإفتاء إلى غير ذلك من وجوه البيان.
وأما أولوا الأمر الذين ينفذون الأحكام فهم الذين بيدهم السلطة الإدارية، فالعلماء يغيِّرون المنكر بالبيان باللسان، والحُكَّام الذين جُعِل إليهم أمر التنفيذ يغيرون باليد؛ وأما الذين ليس لهم قدرة بيانية، وليس عندهم قدرة تنفيذية، فهؤلاء هم الذين يُبغِضون الشخص الذي وقع في المنكر؛ لأنهم لا يستطيعون البيان؛ إما لعجزهم عنه أصلاً، أو لوجود مانعٍ من الموانع، فحديث: " من رأى منكم منكراً فلِيُغيره بيده، فإن لم يستطع فبلِسانه، فإن لم يستطع فبِقلبه"، يكون من جملة الأحاديث التي جاءت بياناً لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، فالذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حقَّق هذه الآية على قدر استطاعته؛ أما الذي يأخذ جزءاً منها يأمر بالمعروف؛ ولكنه لا ينهى عن المنكر فهذا لم يحقَّق جزء النهي عن المنكر.
وعلى العبد أن يتقي الله -جلّ وعلا-، وأن يمتثل أوامره ويجتنب نواهيه في كلّ مقامٍ بحسبه؛ سواءٌ كان راعياً، أو كان فرداً من أفراد الرعية، أو كان راعياً على حسب اختلاف درجات الرعاية التي جعلها الله -جلّ وعلا- تحت مسؤوليته؛ فإن الرسول ﷺ يقول:« كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيِّته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في بيته ومسؤول عن رعيته، والزوجة راعية ٌفي بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راعٍ في مال سيِّده ومسؤول عن رعيته »؛ فالمقصود أن كلّ شخص يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على حسب استطاعته.
وأما الحديث: « بشِّروا ولا تُنفِّروا »[7] فإنه يتعلق بمنهج من مناهج الدعوة إلى الله -جلّ وعلا-، وهذا المنهج جاء في قوله تعالى في سورة النحل:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[8]، وذلك أن الناس على طبقات، فمنهم من يُدعى إلى طريق الحق بالحكمة، ومنهم من يُدعى إلى طريق الحق بالموعظة؛ لأن عقله لا يتحمَّل الحكمة ولكنه يتحمل الموعظة، ومن الناس من يكون عنده استعداد فطري من جهة الأخذ والرد فلا تنفع معه الحكمة ولا تنفع معه الموعظة؛ ولكن ينفع معه الجدال، والجدال قسمان:
1- جدال: يأتي إلى نتيجة حسنة، وطريق الجدال طريق سليم.
2- وجدال يؤدي إلى نتيجة سيئةٍ، والطريق الذي يُسلك طريق غير شرعيٍ.
فإذا كان الطريق الذي يُسلك في المجادلة طريقاً سليماً من جهة ما يُعرَض من أدلة ومناقشات، ويؤدي إلى طريقة حسنة، فهذا المقصود في قوله تعالى: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
أما إذا كان طريق المجادلة طريقاً سيئاً؛ إما من جهة أن الشخص يعتمد على الأدلة العقلية فقط، ويترك الأدلة الشرعية والأدلة العقلية التي يعتمد عليها لا تؤدي إلى الغرض الصحيح، أو كان يستخدم الأدلة الشرعية؛ ولكنه يستخدمها بطريق التعسُّف؛ فهذان الطريقان الاعتماد على الأدلة العقلية التي لا تؤدي إلى نتيجةٍ حسنة، والاعتماد على الأدلة الشرعية ولكن بطريق التعسُّف؛ هذان الطريقان لا يؤديان إلى نتيجةٍ حسنة، وهما مفهومان من هذه الآية عن طريق مفهوم المخالفة؛ لأن الله تعالى قال:"وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ"[9]، فإذن هنا مجادلة بغير التي هي أحسن، والمجادلة بالتي هي أحسن مأمورٌ بها، والمجادلة بغير التي هي أحسن منهيٌ عنها؛ لأن من قواعد الشريعة أن الأمر بالشيء نهيٌ عن ضده، فتكون المجادلة بالتي هي أحسن مأموراً بها، والمجادلة بالتي ليست بأحسن منهياً عنها. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب ما كان النبي ﷺ يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا (1/25)، رقم(69)، ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في الأمر بالتيسير وترك التنفير(3/ 1358)، رقم(1732).