Loader
منذ سنتين

امرأة مثقفة وداعية، وأحب نشر الدعوة وأحب أن تكون الأمور قوية سبّب لي ضغطاً فتركت العمل


  • الوسطية
  • 2022-02-11
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (11207) من المرسلة السابقة، تقول: أنا امرأة مثقفة وداعية، وأحب أن أنشر الدعوة، وأعتني بالتربية والإصلاح؛ إلا أني أحب أن تكون الأمور قوية ومكثفة، وأخذ بأحسن الأمور، وهذا سبّب لي ضغطاً فتركت العمل بسبب الحرص، فما العمل في هذه الحالة؟

الجواب:

        من قواعد هذه الشريعة كونها وسطاً. ومعنى أنها وسط أنها مجردة في التشريع وفي التطبيق المطلوب، مجردة عن الإفراط والتفريط، فالإفراط هو الزيادة، والتفريط هو النقص.

        والتفريط قد يكون في أمور مستحبة، وقد يكون بارتكاب أمور مكروهة، وقد يكون بعمل أمور متشابهة؛ يعني: استباحة أمور متشابهة. أو يكون بارتكاب أمر محرم أو بترك واجب؛ بمعنى: إن التفريط تختلف درجاته بحسب الأمر الذي يزاوله هذا الشخص؛ سواء كان من باب الفعل، أو أنه من باب الترك؛ هذا بالنظر إلى التفريط.

        أما الإفراط فهو الزيادة؛ بمعنى: إن الإنسان يزيد عن الأمور المشروعة؛ يعني: عن الحد الوسط؛ لأن فيه حدّاً أدنى، وفيه حدٌّ وسط. فالحد الأدنى لا بدّ منه، والحد الوسط إذا أتى به. لكن كونه يسترسل ويزيد في الأمور، فهذا ليس من الدِّين في شيء، ولهذا الإنسان عندما يصوم الدهر الرسول ﷺ يقول: « لا صام من صام الدهر »[1] والرجل الذي نذر أن يقف في الشمس منعه الرسول ﷺ من ذلك؛ إلى غير ذلك من الأمور التي يفعلها الإنسان يريد بها الخير؛ لكنه يشق على نفسه مشقة خارجة عن المعتاد، فهذا يكون فيه إفراط. ومن الإفراط مسألة الدعوة إلى الله، ومسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

        الرسول ﷺ أول ما بدأ به الدعوة سراً، ثم بعد ذلك بدأ الدعوة جهراً. ومن آذاه لم يأخذ حقه منه، ثم جاءت المرتبة الثالثة: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ}[2]، وقال -تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}[3]، ثم جاءت المرحلة الرابعة وهي مرحلة الجهاد في سبيل الله.

        فالداعية إلى الله لا بدّ أن يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ كلّ منهما لا بدّ أن يكون عالماً بما يدعو إليه وما يأمر به وما ينهى عنه، ويكون حكيماً فيما يدعو إليه وما يأمر به وما ينهى عنه؛ وكذلك يكون عنده في مسألة المناقشة، يكون عنده حكمة في المناقشة، فلا يحّمل المدعو أو المرتكب المنكر أكثر مما يقتضيه الوجه الشرعي، فيستعمل مع كلّ شخص بحسب حاله، ولهذا الرسول ﷺ حينما جاء وفد نصارى نجران، ودخلوا مسجده ﷺ وكان بعد صلاة العصر، فقاموا يصلون صلاتهم، أراد بعض الصحابة أن ينكر عليهم، فقال: اتركوهم، فتركهم يصلون صلاتهم في مسجده؛ وكذلك الرجل الأعرابي الذي بال في المسجد، وأرادوا أن يمنعوه فقال: « لا تزرموه »، يعني: اتركوه يكمل.

        فالداعي والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمنزلة الطبيب مع المريض، فيستخدم الدعوة المناسبة له. وتغيير المنكر بحسب الحال، بمعنى: أنه لا يترتب على تغيير المنكر منكرٌ أعظم منه، أو يترتب على هذا المنكر ارتكاب منكر مثله. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصوم، باب صوم داود -عليه السلام- (3/40)، رقم (1979).

[2] من الآية (126) من سورة النحل.

[3] من الآية (40) من سورة الشورى.