Loader
منذ سنتين

كيف يستشعر فعل العبادات؟ وما علاج الغفلة والفتور؟


  • فتاوى
  • 2022-02-02
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10480) من المرسل س. م. د، يقول: كيف يستشعر المسلم فعل العبادات؟ وما علاج الغفلة والفتور الذي أصاب نفوسنا؟

الجواب:

        الله -سبحانه وتعالى- قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[1]، وكوّن الإنسان من بدن وروح، فقوله -جل وعلا-: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا هذا غذاء للبدن وغذاء الروح، فهذا أرسل الله الرسل وأنزل عليهم الكتب والرسل بلغوا؛ كل رسول أرسله الله إلى قومه بلغتهم وبلغّهم، وقامت حجة الله على خلقه ولهذا يقول الله -جل وعلا-: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[2]، فإذا جمع الله الأولين والآخرين سأل الله الرُسل: هل بلغتم الأمم؟ قالوا: نعم، فيسأل الله الأمم: هل بلغوكم؟ فيقولون: لا، ما جاءنا من نذير ولا بشير، فيطلب الله البينة من محمد الرسول ﷺ، ومن هذه الأمة ستشهد هذه الأمة على أن كل رسول بلّغ أمته فيشهد الرسول ﷺ على شهادتهم: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا؛ يعني: عدولاً.

        والمقصود بهذه الأمة هي المذكورة في قوله الرسول ﷺ حينما ذكر افتراق اليهود والنصارى، وذكر افتراق هذه الأمة أنها ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: « من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي » فهذه الأمة هي المذكورة في سورة البقرة، ولا فرق في ذلك بين الأفراد -سواء كانوا موجودين في عصر الرسول ﷺ أو بعده؛ المهم وجود هذه الصفة التي ذكرها الرسول ﷺ.

        وبناء على ذلك فإن الرسول ﷺ هو آخر الرسل، والقرآن هو آخر الكتب، وأن رسالة الرسول ﷺ عامة للإنس والجن؛كما قال -جل وعلا-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}[3]، وقال -جل وعلا-: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}[4]؛ وكذلك قوله -جل وعلا-: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ}[5] إلى آخر الآيات التي جاءت في الجن في هذا الموضع وفي غيره، فهو رسول للجن والإنس، والقرآن شريعة للإنس والجن. وسنة الرسول ﷺ لابدّ من الأخذ بها فإنها مبينة للقرآن.

        على هذا الأساس كل فرد من أفراد بني آدم تارة يجب عليه الأمر وجوب عينيًا، وتارة يجب عليه الأمر وجوب كفائيًا؛ فالواجب العيني هو أن يتعلم ما تعبده الله به؛ سواء كان هذا من باب العقائد، أو كان من باب العبادات، أو كان من باب المعاملات؛ يعني: يجب عليه أن يتعلم ما فرضه الله عليه فرضاً عينيًا.

        أما الفرض الكفائي فهذا باعتبار ما يتعلق بمصالح الناس العامة مثل ولاية القضاء، وولاية الإفتاء، وولاية الدعوة، وولاية الحسبة؛ وهكذا بالنظر إلى العلوم الأخرى؛ مثل: علم الهندسة وعلم الطب؛ هذا كلها داخلة في فروض الكفايات.

        وبناء على ذلك فهذا السائل لابد أن ينظر إلى نفسه هل تعلم العلم الذي يجب عليه؛ لأنه إذا تعلم العلم الذي يجب عليه يستمد منه العمل الذي أوجبه الله عليه.

        وعلى سبيل المثال يتعلم الصلاة فيصلي لكن يصلي على غير الطريقة التي شرعها الله -جل وعلا- حينئذ إما أنه لم يتعلم أو أنه تعلّم تعلماً غير صحيح. وعلى هذا الأساس فلا يكون عمله صحيحاً، ولهذا الرسول ﷺ حينما نظر إلى شخص يصلي وجاء وسلّم عليه، قال له: « صلّ فإنك لم تصلّ » إلى الرابعة؛ يعني: أربع مرات يقول له، فلما جاء في المرة الرابعة قال له: « والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني » فعلمه الرسول ﷺ.

        فأنت أيها السائل وكذلك أمثالك ارجع إلى نفسك، فهل أنت تعلم الواجبات وتعلمت المحرمات، وأتيت بالواجبات وتركت المحرمات؟ أو أنك حصل عندك خلل في باب الواجبات إنك تقصّر فيها، وكذلك في باب المحرمات تنتهكها؛ لأن القلب ترد عليه الطاعة وترد عليه المعصية، فإذا وردت الطاعة زادته نورًا، وإذا وردت عليه المعصية نُكت فيه نكتة سوداء. وبقدر ما يحصل من الامتثال تكون إضاءة القلب، وبقدر ما يكون من المخالفة بترك أو بفعل محرم تكون الظلمة بالقلب. ثم إن أثر المعاصي ينجر إلى السمع، وينجر -أيضاً- إلى البصر، وينجر إلى سائر الجوارح؛ بمعنى: إن الشخص لا يبالي في جوارحه سواء باشرت أمراً محرمًا أو تركت واجبًا؛ يعني: لا يكون عنده مبالاة من جانب. ومن جانب آخر يعلم الشخص أن الله -سبحانه وتعالى- وكّل في القلب ملكًا، فتكون للملك لمة وهذه من أمور الخير. والشيطان مسلط على القلب وتكون له لمة، فهذه لمة الشيطان تارة تكون تسويغ ترك واجب، أو تحسين فعل محرم؛ فكل شخص ينبغي أن ينظر في العلم الواجب عليه من جهة هل تعلمه؟ وهل عمل به؟ وإذا كان قد حصل عليه نقص فعليه أن يستغفر الله وأن يتوب إليه؛ لقوله -جل وعلا-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[6]. وبالله التوفيق.



[1] وردت في أماكن كثيرة وأولها في الآية (29) من سورة البقرة.

[2] من الآية (143) من سورة البقرة.

[3] من الآية (28) من سورة سبأ.

[4] الآية (1) من سورة الفرقان.

[5] من الآية (29) من سورة الأحقاف.

[6] من الآية (53) من سورة الزمر.