قمت بظلم أحد زميلاتي، وتبت إلى الله تعالى وأعلم أن حقها لن يسقط يوم القيامة؛ وهذه الفتاة سخرت مني أمام زميلاتي، هل تكون قد استوفت حقها؟ أم يجب أن أتحلل منها في الدنيا؟
- فتاوى
- 2022-01-29
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (9643) من المرسلة السابقة، تقول: قمت بظلم أحد زميلاتي في أحد الأيام، ولكني تبت إلى الله تعالى وأعلم أن حقها لن يسقط يوم القيامة؛ ولكن هذه الفتاة سخرت مني أمام زميلاتي في أحد الأيام، هل بذلك تكون قد استوفت حقها مني؟ أم يجب أن أتحلل منها في الدنيا؟
الجواب:
جاء في الحديث القدسي أن الله -تعالى- قال: « يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا »، فظلم العبد لنفسه محرم وظلمه لغيره؛ سواءٌ كان المظلوم قوياً، أو ضعيفاً: ذكراّ أو أنثى، عالماً أو جاهلاً، آمراً أو مأموراً.
وهكذا بالنظر للظالم أيضاً، فلا يجوز للشخص أن يظلم غيره لا في عقله، ولا في نفسه، ولا في ماله، ولا في عرضه، ولا في دينه، ولا يظلمه لا في قليل ولا في كثير، ولهذا يقول الله -جلّ وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}[1] فالله -تعالى- نزّه نفسه عن الظلم وحرمه على العباد فيما بينهم.
وهذه السائلة أقرت بأنها ظلمت تلك المرأة؛ ولكنها لم تبيّن الشيء الذي ظلمتها فيه. وتلك المرأة تكلمت فيها، وإذا كانت تكلمت فيها بشيء ليس فيها فلا شك أنها تكون -أيضاً- ظالمة؛ لكن الاقتصاص من كلّ واحدةٍ منهما من الأخرى بقدر هذه المظلمة هذا راجعٌ إلى الله -جلّ وعلا-، ولهذا يقول -تعالى-: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[2]، ويقول -جلّ وعلا-: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[3]، ومما يؤسف له أننا إذا نظرنا إلى كثيرٍ من الناس وجدنا أنهم يستسيغون الظلم؛ وبخاصةٍ إذا كان الظالم قادراً على الشخص المظلوم، فقد يظلمه في ماله، يظلمه في عرضه، يظلمه في عقله إلى غير ذلك من الأسباب التي تكون ظلماً، فعلى الشخص أن يتقي الله في نفسه، وأن يمتنع عن الظلم ابتداءً، وإذا حصل منه ظلمٌ لأحد فإنه يقتص لنفسه.
ومما يحسن التنبيه عليه هنا أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يمشي في أسواق المدينة ليلاً حينما كان خليفةً فرأى ناراً في جهة فأتى إليها فوجد امرأةً قد وضعت ماءً في قدرٍ على النار، ووضعت فيه أحجاراً، وعندها أولادها يتضاغون من الجوع، فسألها: ما شأنك؟ قالت: تولى أمرنا عمر فضيّعنا، وأنا ألهي الأولاد بهذا الماء الذي أطبخ فيه الحجر حتى يناموا، فرجع عمر فأتى بشيءٍ لهم وتعشوا وقال لها: ائتِ إلى المكان الفلاني حتى أدلك على عمر، فلما جاءت ونظر إليها أمر بعض من كان عنده ليأتي بها فأتي بها إليه فاشترى منها هذه المظلمة بعشرين ديناراً، وكتب وثيقة وقّعت عليها ووقّع عليها هو، وقال لابنه عبد الله: خذ هذه الوثيقة وضعها في كفني ألقى بها ربي يوم القيامة، فلا شك أن ظلم الناس أمرٌ عظيمٌ، ولا يجوز للإنسان أن يدخل في هذا المجال مع قدرته عليه؛ لأن قدرته عليه قد تغريه، لكن الله -سبحانه وتعالى- قال: {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}[4] فإذا ظلم الإنسان غيره فإن الله -سبحانه وتعالى- يحكم للمظلوم على الظالم، وليس فيه هيئة تمييز ولا مجلس قضاء ينظرون في حكمه، فقوله -جلّ وعلا-: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ؛ يعني: إن هذا الحكم هو جارٍ، وليس هناك أحدٌ يعترض عليه كما يكون من الاعتراض من الأحكام في الدنيا. وبالله التوفيق.