ما موقف المسلم من كثرة الفتاوى في وقتنا الحاضر وقد يستدلون بأدلة من الكتاب والسنة، فمن أين للشخص العادي أن يعرف المقبول والمردود؟
- الفتوى والمفتي
- 2022-03-10
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (12370) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما موقف المسلم من كثرة الفتاوى في وقتنا الحاضر مع ملاحظة أن الجميع من هؤلاء المفتين قد يستدلون بأدلة من الكتاب والسنة، فمن أين للشخص العادي أن يعرف المقبول وأن يعرف المردود؟ وما موقفه من هذه الفتاوى مأجورين؟
الجواب:
الله -سبحانه وتعالى- يقول: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)}[1]، ويقول -جل وعلا-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[2]، ويقول: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}[3]، -والله تعالى- يقول لنبيه ﷺ: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[4]، ويقول -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ}[5] إلى أن قال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[6].
فالواجب على السائل أن يتحرى في توجيه سؤاله من يثق بعمله، ويثق -أيضاً- بأمانته. وليس كل من فتح باب الإجابة للناس على الأسئلة التي يوجهونها إليه متمكناً من العلم على الوجه الذي يمكنه من القيام بهذه المهمة؛ وبخاصة المسائل التي تكون موقع خلاف؛ هذا من جهة.
وكذلك من جهة الأمور الواقعة؛ لأن المسألة الواقعة يحتاج السائل إلى أن يكون فاهماً لها تماماً، وينقل هذا الفهم إلى الشخص الذي يسأله بأمانة. وإذا كان نقله فيه قصور فإن المسؤول يجب عليه أن يناقش هذا السائل من أجل أن يتصور الواقع على وجه سليم، ثم بعد تصور هذه الواقعة على وجه سليم يلتمس مأخذها من القرآن، قد يكون المأخذ دليلا خاصاً، وقد يكون دليلا عاماً، وقد يكون تقعيداً عاماً، وقد يكون تقعيداً خاصاً، وقد يكون إجماعاً، وقد يكون قياساً.
والشخص الذي لا يتمكن من الربط بين الحوادث التي يسأل عنها وبين مداركها الشرعية، لا يجوز أن يُقدِم على الإجابة على ما يقدم إليه من أسئلة.
الصحابة -رضي الله عنهم- وهم يجالسون الرسول ﷺ ويسمعون منه ويتعلمون منه إذا جاء السائل كل واحد منهم يحيل السؤال إلى الشخص الذي بجانبه كلٌ يتعذر. والإمام مالك -رحمه الله- سُئل عن مسائل كثيرة فأجاب عن أربع وقال في الباقي: لا أدري. وقال له السائل: أنت مالك بن أنس تضرب إليك أكباد الإبل من شرق الأرض وغربها وتقول: لا أدري، قال له الإمام مالك: امش في أسواق المدينة وأخبر الناس عن المسائل التي سألتني عنها وقلت لك فيها: لا أدري؛ يعني: إذا كان لا يكفيك أنك تعلم أنني لا أدري فأعلم الناس. وهذا مما يدل على ورع الإمام مالك، ولهذا يقول بعض السلف: "مَنْ تَرَكَ لاَ أَدْري أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ".
فمما يؤسف له أنه يوجد بعض الأشخاص المنتسبين إلى العلم هم ليسوا بمتمكنين من العلم؛ ولكن عندهم شجاعة، وعندهم إقدام، وعندهم محبة للإجابة عن الأسئلة، ولا يفرقون بين كون الجواب صحيحاً أو ليس بصحيح؛ وإنما المهم أن يكون بارزاً يجيب الناس؛ سواء كان ذلك في وسائل الإعلام، أو كان ذلك في محاضرة يلقيها، أو كان ذلك في جواب شخصي لشخص يسأله.
والمقصود من جميع هذا الكلام هو أن كل شخص مسؤول عما يقوله، ولهذا لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع، ومنها: « علمه فيما عمل به ». ومن العمل بالعلم أن يوجه الناس، فإذا لم يكن متمكناً من معرفة ربط الحوادث بمواردها من الشريعة؛ فعليه أن يتقي الله، وأن يريح نفسه ولا يوقع الذين يسألونه في حرج إذا كان جوابه ليس بصحيح. وبالله التوفيق.