حكم التزام مذهب معين والتعصب له
- الاجتهاد
- 2021-10-05
- أضف للمفضلة
لفتوى رقم (2017) من المرسل ن. إ. م ، يقول: ما حكم الإسلام فيمن يتعصب لمذهبٍ معين من المذاهب الأربعة، وهل يجب على المسلم اتباع مذهبٍ معين من هذه المذاهب أو غيرها؟
الجواب:
أولاً: أن الناس يختلفون في قوتهم العلمية، وفي تحصيلهم العلمي، وفي الذكاء الفطري، وبناءً على وجود الاختلاف فيما بين الناس في هذه الأمور فإن من الناس من يتمكن من معرفة الحكم بدليله، ويتمكن أيضاً من معرفة ما يعرض للأدلة من نسخٍ أو تخصيصٍ أو تقييدٍ أو بيان إجمال أو غير ذلك من الأمور التي يتطلبها النظر في الأدلة حتى يتمكن من معرفة الحكم على بصيرة، ويكون بنفسه، ومن بلغ هذه الدرجة فإنه يجب عليه أن يتبع الدليل؛ لأن الله تعبد خلقه بالكتاب وبالسنة، ومن أمثلة من يكون بهذه المكانة: الأئمة الأربعة أبو حنيفة، ومالك، والشافعي، والإمام أحمد، ومن كان بهذه المثابة، وهذا الصنف يسمى بالمجتهد المطلق الذي قرر القواعد لنفسه، واستنبط الأحكام من أدلة التشريع بناءً على هذه القواعد، وهذه القواعد منها ما جرى على حسب اللسان العربي، ومنها ما جرى على حسب مقاصد الشريعة، ومن العلماء من يكون بغير هذه الدرجة لكنه يتقيد بقواعد إمامه ويستنبط الأحكام من الأدلة على حسب قواعد الإمام، وقد يخالفه في بعض الجزئيات، فهذا أيضاً عنده قدرة على استنباط الأحكام، ولكنه متقيدٌ بقواعد إمامه.
ومن العلماء من لا يتمكن من الاستنباط على حسب القواعد ؛ ولكنه ينظر فيما استنبطه غيره ويعمل موازنةً بين الأدلة من ناحية الترجيح، يعني يستطيع أن يميز القول الراجح من القول المرجوح، وهذا أيضاً يأخذ بما ترجح لديه.
ومن العلماء من يستطيع أن يُخّرج على قواعد إمامه، وعلى المسائل التي قال بها إمامه ، عنده قدرة يعرف ما يوافق هذا التخريج وما يخالفه ، فيفّرع على المسائل، وهذا أيضاً عنده قدرة ؛ ولكنه متقيدٌ أيضاً بمسائل إمامه يعني بأقوال إمامه سواءٌ أكانت الأقوال في القواعد، أو كانت الأقوال في المسائل.
ومن العلماء من لا يتمكن من معرفة الحكم بدليله، فهذا النوع عليه أنه إذا احتاج إلى معرفة حكم مسألةٍ من المسائل ، فإنه يسأل أوثق من يتمكن من الاتصال به من أهل العلم ؛لأن الله جل وعلا يقول:"فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"[1]، ونهى الله نبيه أن يقول بغير علمٍ كما في قوله تعالى:"وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ"[2].
وبناءً على ذلك فهذا الشخص يتقيد بفتوى أوثق من يتمكن من الاتصال به من أهل العلم، وهذا لا يكون من باب التعصب في المذهب أو للمذهب.
ثانياً: أن الشخص إذا تقيد بمذهبٍ من المذاهب بمعنى أنه يأخذ بهذا المذهب، وإن خالف الدليل الشرعي؛ لأن الأئمة الأربعة -رحمهم الله تعالى- اتفقوا على أنه إذا صح الحديث ، فهو مذهبهم، وعلى أنه إذا وُجد دليلٌ ووجد لهم قولٌ يخالف الدليل ، فإنه يُطرح قولهم ويؤخذ بالدليل. وعلى هذا الأساس ، فإذا وجدنا قولاً يوافق أدلة التشريع أخذنا به، وإذا وجدنا لهم قولاً يخالف الدليل الشرعي طرحناه؛ لأنهم لم يطلعوا على هذا الدليل، فما دلّ عليه الدليل هو مذهبهم، فلا يجوز لنا أن نتعصب لأي مذهبٍ من المذاهب، ولا لأي شخصٍ من الأشخاص إلا كما قال الإمام مالك ‘: كلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، يعني الرسول ﷺ.
فتبين من هذا أن الشخص الذي يعتمد على مذهبٍ من المذاهب ولا يرجع إلى الدليل الشرعي، أن هذا هو التعصب المذموم، أما الذي يأخذ الحكم بدليله، فهذا ليس من باب التعصب في شيءٍ، وإن قال بهذا القول إمام من الأئمة كمالك إذا كان الشخص مالكياً أو إذا كان الشخص منتسب إلى مذهب الإمام الشافعي.
ثالثاً: أنه يوجد أشخاصٌ يتكلمون في الحلال والحرام وليس عندهم استعدادٌ لا من الناحية الفطرية، ولا من الناحية التحصيلية، ولا من ناحية التجربة، ولا من ناحية القدرة على تطبيق فروع الشريعة على قواعدها، ومعرفة الحكم عن طريق دليله، وهؤلاء يحرمون ويحللون، فلا يجوز للإنسان أن يحلل إلا ما أحله الله ولا يجوز له أن يحرم إلا ما حرمه الله جل وعلا.
وينبغي للإنسان أن يعرف نفسه أولاً قبل أن يتكلم بالتحليل والتحريم، فإن وجد عنده استطاعة كما سبق تفصيله ، فإنه يدخل في هذا الأمر، وإذا لم تكن عنده استطاعة ، فرحم الله امرأً عرف قدر نفسه، وبالله التوفيق.