Loader
منذ سنتين

حكم قيام الليل كاملاً


  • الصلاة
  • 2022-02-22
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (10237) من المرسل السابق، يقول: هل يجوز قيام الليل كاملاً؟

الجواب:

        جاء ثلاثة إلى رسول الله ﷺ فقام أحدهم فذكر للرسول ﷺ أنه يصوم النهار، والثاني قال: إنه لا يتزوج النساء، والثالث قال: إنه لا ينام الليل؛ يعني يقوم الليل كله، فالرسول ﷺ قال لهم: « أنا أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأنام وأقوم؛ فمن رغب عن ستني فليس مني ».

        وفيه ناحية بهذه المناسبة أحب أن أنبه عليها: الإنسان في هذه الحياة له أعمال دينية، وله أعمال دنيوية، وهو محتاجٌ إلى أن يسلك العدل بين أمور دينه فقط، وبين أمور دنياه فقط، وبين أمور دينه ودنياه؛ فهذه ثلاثة أمور.

        فبالنسبة للعدل في أمور دينه عليه واجباتٌ لله -جل وعلا-، فالصلوات الخمس، وصيام رمضان، والحج والعمر مرة إذا كان مكلفاً، وزكاة المال؛ إلى غير ذلك من الواجبات التي تجب عليه وجوباً عينياً، أو تجب عليه وجوباً كفائياً؛ بمعنى: إنه مكلفٌ بالقيام بالدعوة إلى الله، أو بالقضاء، أو بالإفتاء، أو بالحسبة، أو بولاية من الولايات كالإمارة ونحو ذلك؛ فيكون مكلفاً بواجبٍ عيني أو واجبٍ كفائي، فحينئذٍ هذا لا بدّ أن يقوم فيه؛ ولكن يقوم فيه على سبيل العدل؛ بمعنى: إنه لا يسلك مسلك الإفراط فيه، ولا يسلك مسلك التفريط. فعلى سبيل المثال إذا كان شخصٌ يصلي بالجماعة الفروض؛ ولكنه يطيل إطالةً تجعلهم يتمللون من الصلاة خلفه. أو أنه يخفف الصلاة تخفيفاً إلى درجة أنه يخل بشيء من أركانها؛ فهذا كله مذموم، والمسلك المطلوب هو أنه يسلك مسلكاً وسطاً، ولهذا الرسول ﷺ قال: « إذا أمّ أحدكم الناس فليخفف ، فإن فيهم المريض والضعيف والصغير وذا الحاجة ».

        فحينئذٍ يسلك مسلك العدل في سائر عباداته؛ بمعنى: إن نوع العبادة الواحدة لا يسلك فيه مسلك الإفراط ولا مسلك التفريط؛ وهكذا علاقة العبادة بالعبادة الأخرى؛ بمعنى: إنه لا يغرق في عبادةٍ بحيث إن إغراقه في هذه العبادة يعطل قيامه بالعبادة الأخرى؛ هذا من جهة أمور الدين. وهكذا من جهة أمور الدنيا فلا يغرق في جانبٍ من جوانب دنياه بحيث إنه يضيع الأمور الأخرى.

        فمثلاً إنسان يكتسب في أمور دنياه في جانب من الجوانب لكنه يضيع القيام بالمسؤولية الدنيوية التي أوجبها الله عليه؛ كقيامه على زوجته ووالديه إذا كانا محتاجين إليه؛ وكذلك القيام بأولاده؛ يعني: الحقوق المالية يقصّر فيها؛ لكنه مغرقٌ في جانبٍ آخر فيعمل موازنة بين أمور دنياه.

        وهكذا بالنظر إلى العلاقة بين الأمور الدينية والأمور الدنيوية، فلا يغرق في أمور دينه إلى درجة أنه يحصل خللٌ في أمور دنياه، وقد قال -جل وعلا-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[1]، فالإنسان يقوم بأمور دينه من جهة؛ ولكن هذا القيام لا يكون سبباً فيتعطل القيام بمسؤوليته الدنيوية؛ وهكذا لا يغرق في أمور دنياه إغراقاً يشغله عن طاعة الله -جل وعلا- يشتغل في أمور دنياه يمنعه هذا الشغل عن أداء الصلوات في أوقاتها، أو عن أداء الصلوات في جماعة المسلمين في المساجد؛ وهكذا بالنظر للصيام، وهكذا بالنظر للحج فقد يبلغ من العمر سبعين سنة أو ثمانين سنة والله قد أغناه؛ لكن يقول: إلى الآن ما وجدت فرصة أقوم بفريضة الحج.

        فغرضي أنا هو أن الشخص يضع في ذهنه الموازنة بين أمور دنياه فقط، وبين أمور دينه فقط، وبين أمور دينه ودنياه. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (77) من سورة القصص.