Loader
منذ 3 سنوات

مكان إحرام من كان داخل مكة


الفتوى رقم (368) من المرسل ص.ع من مكة المكرمة أجياد المصافي يقول: إذا كان الشخص بمكة وأراد أن يحرم بالحج أو بالعمرة، فمن أين يحرم؟ مع بيان الدليل على ذلك.

الجواب:

إذا كان الشخص بمكة؛ سواء كان من أهل مكة، أو من القادمين عليها:

وأراد أن يحرم بالحج، فإنه يحرم من منزله الذي هو فيه.

والأصل في ذلك أن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- لمّا بيّن المواقيت وبيّن أهلها، قال بعد ذلك: « ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة »[1]؛ يعني: حتى أهل مكة يحرمون من مكة، والقادم إلى مكة لا يريد حجاً ولا عمرة؛ ولكنه أراد الحج من مكة؛ يعني: أنشأ الحج من مكة، حكمه حكم أهل مكة.

وأما إذا أراد أن يحرم بالعمرة، فسواء كان من أهل مكة أو من غيرهم، فإنه يخرج إلى الحل؛ يخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة، المهم أنه يخرج خارج حدود الحرم، فيحرم من هناك ويأتي إلى مكة ويطوف ويسعى، ويحلق أو يقصّر.

والأصل في ذلك أن عائشة كانت من جملة من حج مع الرسول
-صلوات الله وسلامه عليه- في حجة الوداع، فأحرمت متمتعة بالعمرة إلى الحج، ثم حاضت قبل أن تطوف وتسعى لعمرتها، فأخبرت الرسول، فلما ضاق عليها الوقت؛ بمعنى: إنها لن تتمكن من الإتيان بالعمرة قبل الحج، وأخبرت الرسول بذلك أمرها أن تدخل الحج على العمرة: أمرها بالقِران، فقال لها :
« قولي لبيك حجة وعمرة »[2]، فقرنت، ولما طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا والمروة، ولما أحلّت قالت للرسول -صلوات الله وسلامه عليه-: "الناس يذهبون بحجة وعمرة، وأنا أذهب بحجة"؛ ظناً منها أن العمل الذي حصل منها لا يكفي إلا عن الحج فقط، فقال لها الرسول : « طوافك بالبيت وسعيك بين الصفا والمروة يكفيك عن حجك وعمرتك »[3]؛ ولكنها كررت عليه ذلك؛ يعني: إنها فهمت قصده واقتنعت به؛ ولكنها تريد أن تأتي بعمرة مفردة؛ كما النساء اللاتي أتين بعمرة مفردة، تريد أن تكون مثلهن، وتريد -أيضاً- أن تتحصل على أجر أكثر. فبعد الانتهاء من أعمال الحج ولم يبق إلا طواف الوداع، أمر أخاها عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم، وأن تحرم من هناك بالعمرة، وأن توافيهم في البيت، فذهب بها أخوها وأحرمت من التنعيم، وجاءت وطافت بالبيت، وسعت بين الصفا والمروة، وقصّرت من شعرها؛ وبهذا تكون قد أدت العمرة.

فاختيار الرسول من جهة أنه أمر أخاها أن يخرج بها إلى التنعيم ولم يأذن لها بأن تحرم من منى، هذا هو الدليل الذي استدل به العلماء على أن العمرة لا يجوز الإحرام بها بالنسبة لمن كان في مكة: لا يجوز الإحرام بها إلا من الحل.

ومما يحسن التنبيه عليه أن في عرف العوام من الناس في مكة عندهم عمرة صغرى وعمرة كبرى، فالعمرة الصغرى يحرمون بها من البيت، والعمرة الكبرى هذه يحرمون بها من خارج الحرم، فلا يجوز للإنسان أن يحرم من مكة للعمرة وإذا أحرم وجب عليه دم؛ لأنه ترك نسكاً من مناسك العمرة وهو الإحرام من ميقاتها، وميقاتها هو خارج الحرم وهو الحل. وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب مهل أهل مكة في الحج والعمرة (2/134)، رقم(1524)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة (2/839)، رقم(1181).

[2] ينظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحج، باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة؟ (1/71)، رقم (319)، ومسلم في صحيحه، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام (2/870)، رقم (1211).

[3] أخرجه أبو داود في كتاب المناسك، باب طواف القارن(2/180)، رقم(1897).