Loader
منذ 3 سنوات

حكم من وجد زوجته انجبت ابناً لغيره أثناء سفره


الفتوى رقم (936) من المرسل السابق ، يقول: إذا كان الرجل قد سافر، وبعد الرجعة وجد زوجته قد وضعت ابناً لغيره، ما هو تصرفه الديني تجاه الزوجة والولد؟

الجواب:

أولاً: أن الشخص إذا تزوج زوجةً وجب عليه أن يقوم بحقوقها الشرعية، ومن حقوقها الشرعية رعايتها وهو مسافرٌ، ومن رعايتها: أن يجعلها في بيت أبيه إذا كان له أب، أو يجعلها في بيت أهلها من أجل أن يحافظوا عليها.

ثانياً: أن الأصل في المسلمين براءة الأعراض، فلا يصح أن يوجه إلى رجلٍ، أو امرأةٍ تهمة الزنا بناءً على توهماتٍ، أو بناءً على شكوكٍ، فواجبٌ على الشخص أن يتحقق قبل أن يتكلم.

ثالثاً: أن هذا الشخص يمكن أنه قال: إنها أتت بولد من غيره بناء على أنها وضعته بعد ما أكمل ستة أشهرٍ، وقبل أن يكمل تسعة أشهر، وبين الله في القرآن أن أقل الحمل ستة أشهرٍ، وبيان ذلك قوله تعالى:"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ"[1]، وقوله تعالى:"وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا"[2]، فإذا أخذنا حولين من ثلاثين شهراً بقي ستة أشهرٍ، وهذه المدة هي أقل مدةٍ للحمل، والأصل أن هذا الولد يكون ولداً له، وإذا أراد أن ينفي الولد عنه، فلا بد من إقامة لعانٍ بينه وبين زوجته عند حاكمٍ شرعيٍ، كما بين الله في قوله تعالى:"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)"[3]، والحاكم الشرعي بعد ما يجري اللعان يرتب عليه ما يراه من الحكم الشرعي، وقد وقع هذا في عهد الرسول ﷺ، ولما انتهى لعان الرجل للمرأة، ولعان المرأة للرجل قال ﷺ: « الله يعلم إن أحدكما كاذبٌ فهل منكما تائبٌ؟ قال ذلك ثلاث مرات »[4].

فالحاصل: أنه واجبٌ على الرجل أن يتحرى فيما يقوله، وألّا يهتك عرض زوجته، ويسيء إليها، وإلى أسرتها بأمرٍ لم يتحقق من صحته، وبالله التوفيق.

المذيع: بالنسبة للشخص إذا جاء فيه هواجس، أو تردد في صدره هواجس، فما موقفه من هذه الأمور؟

الشيخ: الإنسان عندما يريد أن يعقد قلبه على أمرٍ، يعقده على قرائن، على أمورٍ، إما أن تثبت له الأمر يقيناً، وإما أن تثبته بناءً على غلبة ظنٍ، وإما أن تثبته على ظنٍ.

 والفرق بين غلبة الظن والظن: أن غلبة الظن يحصل معها سكون قلبٍ، وأما الظن: فإنه يكون راجحاً عن درجة الشك، بناءً على اقترانه بأمورٍ أوجَدت فيه قوة، ورفعته عن درجة الشك، أما الأمور التي تكون في نفسه هواجس، تكون توهمات، أو تكون شكوكاً، فهذه لا يُبنى عليها أمرٌ شرعيٌ، ولهذا من القواعد المقررة في الشريعة: أن اليقين لا يزول بالشك، وفيما نحن فيه الأمر المتيقن هو البراءة والسلامة، وجرح العِرض هذا أمرٌ طارئٌ، فلا ننتقل عن اليقين، وهو البراءة إلى الأمر العارض إلا إذا كان يقيناً، أو كان غلبة ظن، أو كان ظناً، أما إذا كان شكاً، أو كان توهماً، فإنه لا يُعتد بهما، وبالله التوفيق.

المذيع: بقي علينا سؤال على أساس ندرك الموضوع بكامله، أو يدرك المستمع، ما حكم الشك في الزوجة بدون قرائن؟

الشيخ: الشخص عندما يتشكك في زوجته، لا بد أن يبحث عن الأمور التي أحدثت الشك عنده، فإذا وجد قرائن تنقله عن درجة الشك إلى درجة اليقين، أو إلى درجة غلبة الظن، أو إلى الظن، فحينئذٍ يبني على ذلك.

 أما مجرد التوهم، والشكوك، فهذه لا ينبغي أن يبني عليها حكمٌ كما سبق، إلا أنه لا مانع من أن يعمل تحرياتٍ تنتج له إما الإقدام والمضي، وتحقق ما شك فيه، أو العدول والرجوع، ويتبين له أن الشك الذي حصل عنده لا أصل عنده له، وبالله التوفيق.



[1] من الآية (233) من سورة البقرة.

[2] من الآية (15) من سورة الأحقاف.

[3] الآيات (6-9) من سورة النور.

[4] ينظر: ما أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب تفسير القرآن، باب: ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين (6/ 100)، رقم (4747)، ومسلم في صحيحه، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها (2/1132)، رقم (1493).