معنى حديث الرسول ﷺ: « اتق النار ولو بشق تمرة »
- دلالة المفهوم
- 2022-04-30
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (4633) من المرسل السابق، يقول: ما معنى حديث الرسول ﷺ: « اتق النار ولو بشق تمرة »[1]؟
الجواب:
الشخص يسعى في هذه الحياة وسعيه أسباب، وهذه الأسباب إما أن تكون جالبة لما يرضي الله، وإما أن تكون جالبة لما يغضب الله، وإما أن يتحصل الإنسان بها على ثوابٍ من الله جل وعلا، أو يكفّه الله جلا وعلا عنه بها.
فالإنسان إذا عمل بأوامر الله و اجتنب ما نهاه عنه، فهذه أسباب ترضي الله جل وعلا، وإذا خالف أمر الله، ترك ما أوجب الله عليه بدون عذرٍ شرعي، فعل ما حرم الله عليه بدون عذرٍ شرعي، يكون بذلك قد أخذ بالأسباب التي تغضب الله جل وعلا.
ومن رحمة الله وإحسانه على عباده أن فتح لهم أسباباً أخر، وهذه الأسباب تجعل الإنسان إذا وقع فيما يغضب الله، ينقله الله من هذا المجال إلى المجال الذي يرضي الله جل وعلا، فمن ذلك باب التوبة من الذنوب فإن الله جل وعلا يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[2].
ومن ذلك الإحسان إلى الخلق، وهذا الحديث الذي ذكره السائل يشتمل على وجه من وجوه الإحسان إلى الخلق، وهذا الوجه هو التنبيه على فضل إطعام الطعام وأنه يكفر الذنوب، وقوله ﷺ: « اتق النار ولو بشق تمرة ». شق التمرة يعني تنبيه على تحريص المسلم بأن يتعاطى الأسباب التي تقربه إلى الله جل وعلا، وتحول بينه وبين ما يغضب الله جل وعلا، وهذا تنبيهٌ بالأدنى على الأعلى، فقوله: « اتق النار ولو بشق التمرة » شق التمرة يعني نصف التمرة فما فوق ذلك من وجوه الإحسان الفعلية والقولية وإطعام الطعام، هذه كلها داخلة في هذا الحديث من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإن التنبيه يكون على هذا الوجه، ويكون أيضاً على وجهٍ آخر، وهو بالأعلى على الأدنى، والتنبيه بالمساوي على المساوي فهذا التنبيه، وهو التنبيه بالأدنى على الأعلى شامل لجميع وجوه الإحسان، وكما أنه شاملٌ لجميع وجوه الإحسان من جهة منطوقه باعتبار التنبيه بالأدنى على الأعلى فهو شاملٌ أيضاً لكف وجوه الإساءة، شاملٌ أيضا لوجوه كفّ الإساءة بمعنى أن الشخص يكف إساءته على الناس، وكف إساءته عن الناس هذا أيضاً إحسان. فيكف إساءته لأدنى إساءة وهذا أيضاً تنبيه بالأدنى على الأعلى؛ لأنه إذا كف إساءته الصغيرة فهو مأمورٌ أيضا بكف إساءته الكبيرة، وهذا عام للإشارة بالقول أو الفعل، أو غير ذلك من وجوه الإساءة. والرسول ﷺ قد أُوتي جوامع الكلم. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة (2/109)، رقم (1417)، ومسلم في صحيحه، كتاب الكسوف، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة (2/703)، رقم(1016).