أتنقل مع زميلاتي المعلمات إلى المدرسة في حافلة؛ لكنهن يقضين الوقت في الحافلة في الغيبة والضحك بصوت يسمعه السائق، رغم أن قارئ القرآن في الإذاعة يقرأ، ونصحتهن ولم يستجبن، هل يحرم عليّ الذهاب معهن؟
- فتاوى
- 2022-01-27
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (9413) من المرسلة أ. إ، تقول: أتنقل مع زميلاتي المعلمات إلى المدرسة في حافلة؛ لكن زميلاتي المعلمات يقضين فترة الوقت في الحافلة في الغيبة والضحك بصوت مرتفع يسمعه السائق، كل هذا رغم أن قارئ القرآن في الإذاعة يقرأ، وأنا نصحتهن في ذلك ولم يحدث منهن استجابة، هل يحرم عليّ الذهاب معهن؟ مع العلم أنه ليس لي وسيلة للذهاب للمدرسة إلا معهن فماذا أعمل؟
الجواب:
اللسان جارحة من الجوارح، وآلة تستعمل فيما يعود على الإنسان من النفع الدنيوي فقط، أو الأخروي فقط، أو هما معاً؛ كذكر الله، والاستغفار، وقراءة القرآن، وغير ذلك من الأمور التي لا تؤدى إلا بطريق اللسان.
وفيه أمور أخرى يؤديها اللسان ولكنها قد تكون شركاً أكبر، قد تكون شركاً أصغر، وقد تكون معصية من المعاصي. وما ذُكر في السؤال هو من كبائر المعاصي: الغيبة والنميمة كلٌّ منهما كبيرة من كبائر الذنوب. والغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره. والنميمة هي القالة بين الناس.
فالغيبة تتكلم في شخص غائب، ولو كان حاضراً لما تكلمت بهذا الكلام؛ لأنك لو تكلمت به وهو يسمع فإنه يسوؤه ويكرهه، وأنت إذا تكلمت بهذا الكلام في غيبته فإنك تكون آثماً، فكلّ امرأة من النساء المذكورات تتكلم بهذا النوع فإنها تكون آثمة.
وأما بالنظر إلى النميمة فهي القالة بين الناس تأتي إلى شخص وتقول له: فلان يقول فيك كذا وكذا وكذا، ثم تسمع منه الرد وتنقل هذا الرد إلى الشخص الذي نقلت منه هذا الكلام أولاً وتقول له: فلان يقول فيك كذا، ولا تخبره أنك نقلت كلامه إليه فتنشأ من هذا عداوة بين هذين الشخصين، وقد يكون بين قبيلتين، وقد يتطور الأمر فينشأ عن ذلك فتنة عظيمة؛ فأنت آثمٌ في هذا الأمر، فلا يجوز للإنسان أن يُشغل نفسه بهذه الأمور؛ بل بإمكانه أن يشغل نفسه بذكر الله -جلّ وعلا- فقد قال موسى -عليه السلام- لربه: « يا رب علمني دعاءً أدعوك به، قال: قل لا إله إلا الله، قال: كل عبادك يقولون لا إله إلا الله، قال: يا موسى، لو أن السموات السبع والأرضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله ». وفي الحديث: « من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة في يومٍ وليلة غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر »، وفي الحديث الآخر: « كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان للرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم »، فيعوّد الإنسان لسانه على كثرة الذكر والاستغفار، فقد كان الصحابة يعدون للرسول ﷺ في مجلسه الاستغفار مائة مرة، وصفته أن يقول: ربي اغفر لي وارحمني وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم. وهكذا يُشغل الإنسان نفسه بقراءة القرآن على حسب ما يحفظه منه إذا كان يحفظ القرآن كله يسير فيه، وإذا كان يحفظ شيئاً من المفصل فإنه يقرأ ما حفظه؛ أما إشغاله بما يعود عليه بالإثم فإن هذا أمرٌ لا يجوز له. وليعلم أن الله وكّل به ملكين من صلاة العصر إلى صلاة الفجر، وملكين من صلاة الفجر إلى صلاة العصر، أحدهما على اليمين والثاني على اليسار، الذي على اليمين يكتب الحسنات، والذي على اليسار يكتب السيئات، فإذا عمل الإنسان حسنة سارع ملك الحسنات فكتبها، وإذا عمل سيئةً قال ملك الحسنات لملك السيئات: انتظر لعله يتوب لعله يستغفر، فإذا لم يتب ولم يستغفر أمره بكتابتها.
وبناءً على ذلك فليعلم الشخص أن ما يقوله من الكلام حسناً أو قبيحاً فإنه مكتوبٌ في صحيفة عمله، وإذا جاء يوم القيامة يُقال له: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[1]، {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[2]، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}[3]. وبالله التوفيق.