كيف نوفّق بين الأحاديث التي تبين أن الإنسان قد يدخل الجنة بعمل يسير وبين الآيات التي تبين أن الإنسان محاسب على أعماله
- فتاوى
- 2021-09-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1230) من المرسل خ.ح، من العراق –بغداد، يقول: يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة القدر: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ"[1]، وفي آيةٍ أخرى يقول:"وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا"[2]، ويقول الرسول ﷺ: فيما معناه: « من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، قالوا له: يا رسول الله، وإن زنى وسرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق »[3]، وكثير من الآيات والأحاديث التي توصل المرء إلى الجنةِ بأعمالٍ سهلة، ونجد في آياتٍ وأحاديث أخرى يقول الله تعالى:"إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"[4]، وفي آيةٍ أخرى يقول:"إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا"[5]، فكيف نوفق بين هذه النصوص، وعلى أي هذه الأفعال يحاسب المرء يوم القيامة؟
الجواب:
الشخص إذا مات، فإنه يموت على حالةٍ من الأحوال:
الحالة الأولى: أن يموت على الكفر الأكبر، أو الشرك الأكبر، أو النفاق الأكبر، وذلك بعد إقامة الحجةِ عليه، وبيان الحق له، وإصراره على نفاقه، وشركه، وكفره، فهذا يكون خالداً مخلداً في النار؛ لأن الله تعالى قال:"إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"[6]، فالشرك الأكبر لا يغفر، وقال تعالى في المنافقين: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ"[7]، فالمقصود أن الإنسان إذا مات على هذه الحالة فهذا حكمه.
الحالة الثانية: أن يموت الشخص، وهو لم تبلغه الدعوة أصلاً، يعني لم يتبين له الحق، ما بلغته الدعوة، فهذا إذا جاء يوم القيامة يخرج الله لساناً من النار، ويأمره باقتحامه، فمن اقتحمه ممن لم تبلغه الدعوة دخل في الجنة، ومن امتنع عن اقتحامه دخل النار.
الحالة الثالثة: أن يموت الشخص، وهو مرتكب لكبائر الذنوب كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، ونحو ذلك، ففي هذه الحال إذا مات على الكبائر هو تحت المشيئة، إن شاء الله عفا عنه، وإن شاء عذبه، على حد قوله تعالى:"وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ"[8]، فكلمة مادون ذلك، وكلمة لمن يشاء تدل على أن مادون ذلك -يعني مادون الشرك-، فالكبائر دون الشرك، وقوله:"لِمَنْ يَشَاءُ"[9]، يعني أن هذا الشخص تحت المشيئة، فإن أدخله الله النار طهره بها، وأخرجه منها إلى الجنة، وإن عفا عنه، ولم يدخله النار، فهذا إليه.
الحالة الرابعة: أن الشخص يتعاطى يعني صغائر الذنوب، ولكنه يأتي بالصيام، والصلاة، والزكاة، والحج، وغير ذلك، فصغائر الذنوب تكفرها الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعمرة والصيام، كما بين ذلك النبي ﷺ، وقد قال تعالى في هذا الصدد:"إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ"[10]، فدل على أن الإنسان إذا اجتنب الكبائر، فإن السيئات تكون مُكفرة، والسيئات التي تكفرها الأعمال بينها النبي ﷺ بقوله: « الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، والحج إلى الحج، ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينها، إذا اجتنبت الكبائر »، فقوله إذا اجتنبت الكبائر هذا يدل على أن المكفر هو الصغائر.
هذه هي الأحوال التي يمكن أن يموت الإنسان على حالةٍ منها، وبتقسيم هذه الأحوال، وما يمكن أن يرجع إليها من الأمثلة التي لم أذكرها، بهذا تجتمع الأدلة التي جاءت في هذا الموضوع.
ومما يحسن التنبيه عليه أن زمن هذه الحلقة ضيقٌ جداً، وبالنسبةِ لهذا الموضوع، فهو موضوعٌ مهمٌ جداً، ولعلي إن شاء الله تعالى أتطرق له في فرصةٍ أخرى بأوسع من ذلك. وبالله التوفيق.
[3] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب اللباس، باب الثياب البيض(7/149)، رقم (5827)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة(1/95)، رقم(94).