Loader
منذ 3 سنوات

العمل الذي يرجو به العبد النجاة يوم القيامة بعد رحمة الله -تعالى-؟ ومن هم الآمنون من عذابه -تعالى-؟


الفتوى رقم (5432) من المرسل ع. م.ع، سوداني يعمل بخميس مشيط، يقول: ما العمل الذي يرجو به العبد النجاة يوم القيامة بعد رحمة الله -تعالى-؟ ومن هم الآمنون من عذابه -تعالى-؟

الجواب:

        الإنسان مركبٌ من بدنٍ ومن روح. والبدن له غذاءٌ ودواء. والروح لها غذاءٌ ودواء؛ فغذاء البدن ما يتناوله الإنسان من المشروبات والمأكولات الطيبة، وما يحميه من البرد ويستره وهو اللباس؛ وكذلك البيت الذي يسكنه، ويتجنب الأطعمة والألبسة والمساكن التي تعود عليه بالضرر في جسمه، وعندما يصاب الجسم بمرض من الأمراض في أي موضع من مواضع البدن فإن الشخص يسعى لعلاج هذا المرض، يعالجه بالأدعية، ويعالجه بالأدوية بمراجعة الأطباء المتخصصين.

        وغذاء الروح هو امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه فيفعل الشخص ما أمره الله به من واجبٍ ومندوب، ويترك ما حرم الله -جلّ وعلا- عليه، ويترك -أيضاً- المكروه؛ لأن المكروه لا يعاقب على فعله ويثاب على تركه؛ فهذا غذاؤه فعل المأمورات وترك المنهيات، وهذه المأمورات موجودة في القرآن وموجودة في السنة وما على الشخص إلا أن يتعلم ما يخصه من هذه الأوامر ومن هذه النواهي، وما أشكل عليه يسأل عنه ويعمل بذلك. وهناك أمور لا تشكل كالطهارة والصلاة والصيام؛ وبخاصةٍ الأشخاص الذين يعيشون في بلادٍ إسلامية؛ هذا هو الغذاء.

        أما الداء الذي يصيب الروح فهو المعاصي التي يفعلها؛ سواءٌ كانت هذه المعصية ترك واجب من الواجبات التي لا يعذره الله فيه، أو فعل شيء من المحرمات لا يعذره الله -جلّ وعلا- فيه، فهو حينما يترك هذا الواجب أو يفعل هذا المحرم يكون ذلك مرضاً من أمراض الروح. وكلما كثرت المخالفات قوي المرض وصار عند الشخص استعداد لمزيد تسلط الشيطان عليه والنفس الأمارة بالسوء والهوى الذي يقوده إلى ما يغضب الله -جلّ وعلا-.

        وعلى هذا الأساس فالإنسان عندما يصاب بأمراضٍ في جسمه يبحث عن العلاج؛ ولكنه عندما يصاب بأمراضٍ في دينه لا يسأل عن العلاج بل يستمر. والعلاج موجود في القرآن وفي السنة. فمثلاً قوله -تعالى-: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ"[1] فشرع الله -جلّ وعلا- التوبة من الذنوب؛ فالإنسان إذا تاب من الذنب الذي فعله فيما بينه وبين الله -جلّ وعلا- فالله سبحانه وتعالى غفور رحيم: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

        فعلى العبد أن يرجع إلى نفسه ويتوب إلى الله من جميع الذنوب، وإذا كان هناك حقوقٌ للخلق فإنه يؤديها لهم. وإذا تعذر أداؤها عليه فإنه يستبيحهم، وإذا كان أداؤها قد يترتب عليه ضررٌ أكثر من المصلحة؛ فإن كانت حقاً مالياً فإنه يخرجه، وإن كانت حقاً من عرضٍ أو نحو ذلك فإنه يدعو لصاحبه ويتصدق عنه. بهذه الطريقة يقرب الإنسان من ربه. وإذا حصلت منه عثرةٌ فإنه يتوب إلى الله -جلّ وعلا- ويستغفر ويرجع إلى الله ويكون دائماً مراقباً لنفسه، ولا يكون كالذين قال الله فيهم: "نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ"[2].

        وعلى هذا الأساس ينبغي للعبد أن يسلك هذا المسلك حتى يتحقق فيه قوله -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ"[3] فيأخذ بأسباب السعادة دائماً في حياته، ويتجنب أسباب الشقاوة دائماً حتى إذا فاجأه الموت يكون في حالةٍ ترضي الله -جلّ وعلا- ويُختم له بخير.

        أما الجانب الثاني من السؤال فقد قال الله فيه: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"[4]. فإذا مات الإنسان على الإيمان بالله -جلّ وعلا- فإن الله يحقق له هذا الأمن "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ"[5])؛ يعني: بشركٍ "أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"[6]. وبالله التوفيق.



[1] الآية (53) من سورة الزمر.

[2] من الآية (67) من سورة التوبة.

[3] من الآية (102) من سورة آل عمران.

[4] الآية (82) من سورة الأنعام.

[5] من الآية (82) من سورة الأنعام.

[6] من الآية (82) من سورة الأنعام.