يؤلف قصائد في مدح النبي ﷺ، ويؤدونها بطريقةٍ أشبه بالغناء فما حكم ذلك؟
- توحيد الألوهية
- 2021-08-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (7131) من المرسل ع.م.ع.هـ. من السودان، يقول: في بعض البلدان نجد بعض الناس يؤلفون قصائد في مدح النبي ﷺ، ويؤدونها بطريقةٍ أشبه بالغناء فما حكم ذلك؟ وما حكم الاستماع لهذه القصائد؟
الجواب:
الرسول ﷺ هو أشرف الخلق على الإطلاق، ولهذا يقول ﷺ: « أنا سيد ولد آدم ولا فخر »[1]، لكن مع هذه المنزلة التي جعلها الله له الواجب على المسلم أن يتقيد في تنزيل الرسول ﷺ فينزله بالمنزلة التي جعلها الله له، فلا يرفعه فوق هذه المنزلة، وقد قال ﷺ: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم » ؛ لأن منهم من يقول: هو الله، ومنهم من يقول: هو ابن الله، ومنهم من يقول: ثالث ثلاثة. ولا شك أن هذا غلو في عيسى بن مريم، فتنزيل الرسول ﷺ المنزلة اللائقة به في حدود المنزلة التي وضعها الله -جل وعلا- فيها.
فالمنزلة التي وضعه الله فيها أنه اصطفاه على جميع الخلق، وجعله آخر الرسل، وأنزل عليه أفضل الكتب وآخر الكتب، وجعل شريعته عامةٍ للإنس والجن إلى أن تقوم الساعة، وجعل له خصائص كثيرة، ومن هذه الخصائص قوله -تعالى-: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا"[2] وذلك أن الله إذا جمع الأولين والآخرين يوم القيامة يسأل الله الرسل: هل بلغتم؟ فيقولون: نعم، فيسأل الأمم هل بلغتكم الرسل؟ فيقولون: "مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ"[3]، فيسأل الله الرسل: هل عندكم من بينة؟ فيقولون: نعم، عندنا أمة محمدٍ ﷺ، فتشهد هذه الأمة على أن الرسل الذين سبقوا محمداً ﷺ بلغوا أممهم، فيشهد الرسول ﷺ على شهادتهم، فهو صاحب اللواء المعقود والحوض المورود، وهو أول من يفتتح باب الجنة فيُفتح له. وله خصائص كثيرة ووقت البرنامج لا يتسع لذكرها؛ ولكن بالنظر إلى هذه الخصائص لا ينزله العبد منزلة الله -جل وعلا-، ولهذا نجد بعض الأشخاص يأتي إلى قبره ويسأله دفع الضر، ويسأله جلب النفع. وقد شاهدت شخصاً جعل ظهره إلى الكعبة ورفع يديه مستقبلاً المدينة ويسأل الرسول ﷺ وهو في المسجد الحرام؛ وهكذا بالنظر لأصحاب البدع الذين يأتون بالقصائد في مدح الرسول ﷺ مدحاً لا يليق به؛ وهكذا الذين يجعلون له عيداً ويعتقدون أن هذا من محبته، لا شك أن محبته واجبة « لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه ومن ولده ووالده ومن الناس أجمعين »، ولهذا قال له عمر في موقفٍ من المواقف: « يا رسول الله، أنت أحب إليّ من كل شيءٍ إلا من نفسي »، قال: « لا، يا عمر حتى من نفسك »، قال: الآن أنت أحب إليّ من نفسي، قال: « الآن يا عمر »[4].
فهذه محبة دينية يمتثل فيها العبد أمر ربه، ويمتثل فيها أمر رسوله ﷺ؛ لأنه لا ينطق عن الهوى، لكن الابتداع في الرسول ﷺ كالأشخاص الذين يقيمون الموالد له، ويأتون بالقصائد المشتملة على الشرك الأكبر، أو المشتملة على شيءٍ من وسائل الشرك ليست هذه من محبة الرسول ﷺ؛ بل هذا من الأمور الداخلة في عموم قوله ﷺ: « من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ». وقال ﷺ: « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »، وقال ﷺ: « إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار ».
فيسع الإنسان ما وسعه ﷺ، فهو لم يقم مولداً لنفسه، ولم يقم مولداً لأحدٍ من أولى العزم ولا من سائر الرسل السابقين؛ وكذلك أبو بكرٍ رضي الله عنه هو أقرب الناس إلى الرسول ﷺ وهو صدّيق، ومع ذلك لما مات الرسول ﷺ لم يقم هذه الأعياد؛ فالرسول لم يقمها ولم يأمر بها، ولم يعلم عنها ويسكت عنها، وكذلك أبو بكرٍ رضي الله عنه لم يعملها للرسول ﷺ، وعمر وعثمان وعلي وجميع الصحابة في المدينة وفي سائر أقطار المعمورة الذين تفرقوا؛ وكذلك التابعون وكذلك أتباع التابعين، وهذه هي القرون المفضلة التي قال فيها الرسول ﷺ: « خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ».
وهؤلاء ومن يستحق اللِحاق بهم الذين قال فيهم الرسول ﷺ: « افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي ».
فهل كان ما عليه هو اليوم وأصحابه إقامة الموالد، وقد قال ﷺ: « عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور... » إلى آخر الحديث الذي سبق بيانه. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه أحمد في مسنده(4/61)، رقم(21167)، والترمذي في سننه، أبواب تفسير القرآن، باب ومن من سورة بني إسرائيل(5/308)، رقم(3148)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر الشفاعة(2/1440)، رقم(4308)، وأصله عند مسلم.