Loader
منذ سنتين

ما الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله، وبالذات فيما يتعلق بالمحفوظ؟ كيف لي أن أثبت حفظي؟


الفتوى رقم (9744) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما الطريقة المثلى لحفظ كتاب الله، وبالذات فيما يتعلق بالمحفوظ؟ كيف لي أن أثبت حفظي؟

الجواب:

        الشخص عندما يريد أن يحفظ فهو محتاج إلى تطبيق هذه الطريقة:

        أولاً: أنه يحدد الآيات التي تكون في موضوع واحد.

        ثانياً: وبعد تحديدها ينظر في المفردات الموجودة في هذه الآيات، ويرجع إلى كتاب من الكتب التي كتبت في بيان مفردات القرآن؛ مثل: مفردات الراغب الأصفهاني. ويفهم هذه المفردات.

        ثالثاً: هذه الآيات قد يكون لها سببٌ مقرونٌ بها، وقد يكون لها سببٌ لم يقرن بها، فإذا قرن السبب كما في قوله -تعالى-: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}[1]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ}[2] إلى غير ذلك، فهذا واضح، وإذا لم يقرن بها سبب فإنه يبحث في كتب أسباب النزول؛ مثل: كتاب لباب النقول في معرفة أسباب النزول. وينظر هل في هذه الآيات شيءٌ له سبب أو أنه لا سبب له؛ فتكون من القسم الثالث وهو ما نزل ابتداءً من غير سبب.

        فإذا تقرر ذلك ينتقل إلى الأمر الرابع، وهو أنه ينظر في هذه الآيات هل هي محكمة؟ هل فيها ناسخ أو منسوخ؟

        وبعد الانتهاء من هذه المرحلة تأتي مرحلةٌ أخرى وهي الخامسة: هذه المرحلة هي أن الآيات تشتمل على علامات وقفٍ. وعلامات الوقف المذكورة في القرآن هي ست:

العلامة الأولى: الوقف الواجب، والثاني: الوقف المحرم، والثالث: الوقف المكروه، والرابع: الوقف المندوب، والخامس الوقف المباح، والسادس: التعانق؛ يعني: ثلاث نقط بعضها فوق بعضٍ في موضعين، هو مختارٌ بأن يقف على أي واحدٍ من الموضعين. أما الوقف الواجب فإنه يجب عليه أن يقف. والمحرم لا يجوز له أن يقف. والمكروه الأولى ألا يقف. والمندوب الأولى أن يقف. والمباح جائزٌ له هذا. وهذا فالواجب مكتوبٌ عليه علامة (م)؛ يعني: لازم. والمحرم مكتوبٌ عليه كلمة(لا)؛ يعني: لا يجوز الوقف عليه. والوقف المندوب مكتوبٌ عليه (ق) و(ل)؛ يعني: وقفٌ ووصلٌ والوصل أولى. والمكروه مكتوبٌ فوق الجملة(ص ول)؛ يعني: وصلٌ ووقفٌ والوصل أولى؛ بمعنى: إن الوقف مكروه. والمباح مكتوبٌ عليه(ج)، فحينئذٍ يفهم كل جملةٍ على حدة.

        يأتي بعد ذلك الأمر السادس وهو فهم المعنى العام لهذه الآيات.

        ثم بعد ذلك تأتي المرحلة السابعة وهي ما يُستفاد من هذه الآيات من الأحكام، ينظر هل تشتمل على أحكام: حكم، حكمين، ثلاثة، أربعة، فينظر إلى كتابٍ من كتب أحكام القرآن.

        بعد هذه الأمور يأتي أمرٌ آخر وهو العلاقة بين هذه الجمل: جمل هذه الآيات والعلاقة بين الآيات بعضها مع بعض، والعلاقة بين هذا الموضوع وبين الموضوع الذي قبله وهو ما يسمى بعلم المناسبات.

        بعد هذه الأمور يبدأ في حفظ الآيات ويكررها بحسب قدرته، فمن الناس من يكرر كثيراً، ومنهم من يحفظ بسرعة، فكل شخصٍ يحفظ حسب استطاعته.

        هذه الآيات إذا كررها وحفظها يبدأ في قراءتها في صلواته السرية؛ مثل: صلاة الظهر صلاة العصر. ومثل: النوافل التي يصليها كصلاة الضحى، والرواتب قبل الظهر وبعد الظهر؛ وكذلك ما يصليه قبل العصر، وكذلك راتبة المغرب وراتبة العشاء؛ وكذلك صلاة الليل إذا كان يصلي من الليل فيتعاهد هذا الشيء المحفوظ كل يوم؛ لأنه أقل الأحوال أنه يقرؤه كل يوم، وإن حصل أنه يقرؤه مرتين أو ثلاثاً بحسب اختلاف مقدار الشيء الذي حفظه؛ لأنه مع مرور الأيام قد يكون كثيراً فلا يتمكن من إعادته إلا مرة واحدة، وقد يكون متوسطاً أو قليلاً؛ فالمقصود أنه على حسب حاله، وبهذه الطريقة يكون الشخص قد تحصل على أمرين من القرآن:

        أما الأمر الأول فهو: فهم المعاني ورسوخ المعاني في ذهنه قبل رسوخ الألفاظ.

        والأمر الثاني: رسوخ الألفاظ وسهولة حفظها من جهة، وسهولة بقائها من جهة، وسهولة الاستفادة مستقبلاً عند الحاجة لإلقاء محاضرات أو غير ذلك من الأمور التي تستدعي أن يستفيد من القرآن.

        وفيه أمرٌ آخر عندما يريد الشخص أن يتوسع في فهم القرآن بعد هذه المرحلة هناك مرحلةٌ أخرى وهي مرحلةٌ واسعة فيرجع إلى علم رسم القرآن، علم القراءات، علم النحو، علم فقه اللغة، علم اللغة من ناحية المفردات وما إلى ذلك، علم البلاغة، علم أصول الفقه، علم السنة، علم مصطلح الحديث؛ وكذلك العناية بتفسير القرآن بالقرآن؛ يعني: هي تقريباً خمسة عشر علماً كلها يحتاج إليها عندما يريد أن يتوسع في معرفة القرآن. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (189) من سورة البقرة.

[2] من الآية (222) من سورة البقرة.