Loader
منذ سنتين

ما المقصود بكفر النعمة؟


الفتوى رقم (9952) من المرسل السابق، يقول: ما المقصود بكفر النعمة؟ هل يخرج الإنسان من الملة بهذا الكفر؟ وهل يزيل النعمة؟ وهل يترتب عليه آثام؟

الجواب:

        المتتبع للأدلة التي وردت في القرآن ووردت في السنة يجد أنها تدل على أن الكفر أكبر وأصغر.

        ومن الأكبر كفر الجحود، وكفر العناد، وكفر الشك، وكفر النفاق؛ إلى غير ذلك مما دلت عليه الأدلة. وأن الكفر الأصغر هو عبارة عن كبائر الذنوب التي لا تصل إلى درجة الشرك الأصغر، ولا تصل إلى درجة الكفر الأكبر. وأنا ذكرت الشرك الأصغر لأنه لا يغفر إذا مات عليه الإنسان؛ يعني: لا يكون تحت المشيئة؛ ولكن إما أن يعذب الله صاحبه، أو أنه يأخذ من حسناته بقدر ما حصل منه من الشرك الأصغر إذا مات ولم يتب منه؛ لعموم قوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[1] فكلمة مَا هذه من صيغ العموم يدخل فيها جميع كبائر الذنوب، ويدخل فيها كذلك الصغيرة. المعصية الصغيرة إذا أصّر عليها الإنسان؛ لأن الإصرار على الصغيرة يجعلها تتحول إلى كبيرة.

        فعندنا الزنا يوصف بالكفر الأصغر، السرقة بالكفر الأصغر،شرب الخمر بالكفر الأصغر، ولهذا الرسول ﷺ قال: « ثنتان بالناس هما بهم كفر: الطعن في النسب، والنياحة على الميت » والنياحة على الميت لا تخرج الإنسان عن دائرة الإسلام؛ وهكذا الطعن في النسب لا يخرج الإنسان عن دائرة الإسلام فهو كبيرة من كبائر الذنوب.

        نأتي إلى المسألة التي سُئل عنها:

        إذا نظرنا إليها وجدنا أنها داخلة في كفر النعمة: الإنسان يوسع الله عليه الرزق لكن لا يرى قدراً لهذه النعمة؛ مثل: إنسان يأخذ بقية الأكل من بيته ويضعها في كيس ويضعها في الزبالة؛ يعني: لا يذهب إلى فقير. أنا شاهدت في بلدٍ ما في يوم عيد وجدت نِعماً على جوانب الطرق، ولا شك أن هذا وجه من وجوه كفر النعمة؛ وكذلك عندما نأتي إلى الإنسان يُنعم الله عليه ولكن يسرف، والإسراف من كفر النعمة، نجد أنه يبذر والتبذير هو بذل المال في وجهٍ محرم؛ يعني: يأخذ من مال حلال عنده وينفقه في وجهٍ حرام، يجعله مال بغي، أو يجعله قيمة خمر أو غير ذلك؛ بمعنى: إن صرف المال في وجهٍ غير مشروع وجهٌ من وجوه كفر النعمة. والتبذير والإسراف كذلك كما ذكرت قبل قليل. ووضعه في الزبالة أو على جانب الطريق أو ما إلى ذلك؛ كل هذا من كفر النعمة.

        ومن كفر النعمة أن الشخص يمنع الحقوق الواجبة عليه: وجبت عليه الزكاة هو يصرفها وصرفها وجه من وجوه شكر نعمة الله على هذا الشخص بهذا المال؛ لكن لم ينفق الحق الواجب عليه يكون كفر هذه النعمة؛ وهكذا سائر الحقوق الواجبة عليه عندما يمنعها عمّن هو مستحقٌ لها فهذا كفر للنعمة؛ لأن الله أنعم عليه؛ وهكذا بالنظر إلى الشخص الذي يكسب الأموال من وجوهٍ محرمة فإن الله أعطاه نعمة هذه النعمة مثل نعمة النطق، ونعمة السمع، ونعمة الكلام؛ إلى غير ذلك من النعم البدنية التي تعينه على كسب المال. ومقتضى ذلك أن الله هيأ له هذه الوسائل البدنية ويستفيد منها، ومن وجوه الاستفادة أنه يعمل أسباباً لكسب المال. ومن شكره هذه النعمة أن يبحث عن الأسباب المشروعة؛ بمعنى: إنه يكسب المال من الوجوه المشروعة، وعندما يعكس الأمر ويستخدم هذه الوسائل لكسب المال المحرم فهذه النعمة التي أنعم الله بها عليه من أجل أن يستخدمها للوسائل المشروعة لكسب المال هو استعملها لكسب المال من وجوهٍ محرمة؛ مثل: الإنسان الذي يسرق، يغصب، يأخذ الرشوة أو يدفعها، يتعامل بالربا؛ جميع وجوه الكسب المحرم كلها داخلة تحت هذا.

        ويتبين لنا من خلال هذا الكلام أن كفر النعمة يختلف باختلاف النعمة التي تكفر، قد يكون هذا الكفر كبيرة من كبائر الذنوب وقد يصل إلى درجة النفاق الأكبر، أو يصل إلى درجة الكفر الأكبر، أو يصل إلى درجة الشرك الأكبر إذا توسعنا في مدلول كفر النعمة.

        وعلى هذا الأساس فعلى الشخص أن يبحث عن طريق الاستقامة ويتبع هذا الطريق. وطريق الاستقامة هو أنه يبحث عما أمره الله به يفعله وما نهاه الله عنه يتركه، وبهذه الطريقة يسلم. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (48) من سورة النساء.