تفسير قول الله -تعالى-: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى" الآيات؟
- التفسير
- 2021-08-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (7125) من المرسل السابق، يقول: ما تفسير قول الله -تعالى-: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)"[1] الآيات؟
الجواب:
من قواعد أصول التفسير أن الله سبحانه وتعالى ربط الأحكام بالأفعال والصفات ولم يربطها بالذوات. ومن الفوائد المترتبة على ذلك صلاحية هذه الشريعة لكل زمانٍ ومكان، فإن تعليق الأحكام على الأفعال وعلى الصفات داخل في العموم، وقد يكون هذا العموم من جهة عموم الأفراد، أو عموم الصفات، أو عموم الأفراد، أو عموم الأزمنة والأمكنة، وما إلى ذلك.
وبناءً على ذلك فإن هذا في الأصل خطابٌ للرسول ﷺ، والأصل في الخطاب الموجه إليه أن يكون عاماً له ولغيره من المكلفين إلى قيام الساعة وذلك في حدود من ينطبق عليه هذا الخطاب؛ سواءٌ انطبق عليه على سبيل النصح، أو انطبق عليه على سبيل المعنى، فإن هذه الآيات فيها امتنانٌ من الله -جل وعلا- على رسوله ﷺ؛ لأن هذه الأمور التي ذكرها متحققة في الرسول ﷺ. والله -جل وعلا- هو صاحب الفضل على عباده، صاحب الفضل عليهم في صرف السوء عنهم، وصاحب الفضل عليهم في الإنعام عليهم في الدنيا وفي الآخرة، فقوله تعالى: "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى"[2]. من المعلوم أن الرسول ﷺ متصفٌ بهذه الصفة لأنه فقد أبويه وهو صغير، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى والله سبحانه وتعالى آواه ورعاه برعايته وهو صغيرٌ إلى أن توفاه الله -جل وعلا-. ومن وجوه الإيواء له أن الله سبحانه وتعالى كما أنعم عليه بالأمور المحسوسة فقد أنعم عليه بالنبوة، "أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7)"[3] فقد هداه الله -جل وعلا- بهداية الدلالة والإرشاد، وهداه بهداية التوفيق والإلهام، "وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)"[4]، فقيل: أغناه الله -جل وعلا-، ولهذا يقول الرسول ﷺ: « اللهم اجعل رزق آل محمدٍ كفافاً »[5]. وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى.
هذه الأمور الثلاثة إذا نظرنا إلى كثيرٍ من الناس وجدنا أنها موجودةٌ عندهم؛ يعني اليُتم؛ وكذلك الضلال، وكذلك الفقر، فالله سبحانه وتعالى يرعى اليتيم، ويهدي الضال، ويُغني الفقير، وهذا فيه تنبيهٌ على أن جميع النعم من الله -تعالى- كما قال -تعالى-: "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ"[6]، فعلى الإنسان أن يشكر الله -جل وعلا- على ما أنعم به عليه. والله -جل وعلا- يقول: "وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ"[7] جميع النعم التي أنعم الله بها كلها من الله -جل وعلا-.
فعلى الإنسان أن يشكر الله على ما أنعم به عليه؛ لكن مما يؤسف له أن بعض الناس إذا أنعم الله عليه بنعمةٍ لا يحصل عنده قيامٌ بشكر هذه النعمة، وهو لن يقوم بشكرها على ما يليق بالله -جل وعلا- كما قال الله -جل وعلا-: "وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ"[8]، ولهذا نجد بعض الناس عندما يعطيه الله صحةً في بدنه، أو قوةً في سلطانه، أو غنىً في ماله أو ما إلى ذلك -نجد أن هذه الأمور تشغله عن القيام بحق الله -جل وعلا-، ولهذا يقول بعض الحكماء لولده: يا بني، احذر من سُكر المال، وسُكر العلم، وسُكر الرئاسة، فإن الإنسان إذا أصيب بسكرٍ في واحد من هذه الأمور فبالنسبة للمال يتخبط به من ناحية أنه يستعمله فيما حرم الله، يكسبه من وجوهٍ حرمّها الله، وينفقه في وجوهٍ حرّمها الله يغتر بهذا الغنى كما اغتر قارون "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ"[9]؛ وهكذا بالنظر للعالم إذا اغتر بعلمه فقد يجرّئه على عدم الورع في هذا العلم، وإذا حصل عنده عدم الورع في هذا العلم فقد يحصل عنده عدم البصيرة في تحريم الحلال وتحريم الحرام، وهكذا بالنظر للرئاسة فقد يغتر الإنسان برئاسته وبعد ذلك لا يتقيد بالأمور المشروعة.
والرسول ﷺ كان هو القدوة، فهو ﷺ أفضل الخلق على الإطلاق، وقد نزل عليه جبريل u وأخبره بأن ربه يخيره بأن يشبع يوماً ويجوع يوماً، أو يُعطيه جبال مكة من أجل أن يقلبها ذهباً، فاختار الرسول ﷺ أن يجوع يوماً ويشبع يوماً.
فعلى من أنعم الله عليه بنعمةٍ أن يتنبه لهذه النعمة، وأن يشكر الله عليها. والشكر فيه تقييدٌ لها من جهة البقاء، وفيه زيادةٌ على استمرار هذه النعمة؛ يعني: الزيادة على هذه النعمة، وإذا لم يشكر فقد يزيده الله لكن تكون هذه الزيادة على سبيل الاستدراج كما قال -تعالى-: "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)"[10]، وكما في قوله -تعالى-:"إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)"[11].
فالمقصود أن الإنسان لا يغتر بما ينعم الله -جل وعلا- عليه؛ بل عليه أن يعرف قدر هذه النعمة، وأن يؤدي الحق الذي لله. وبالله التوفيق.