Loader
منذ 3 سنوات

فتاة نذرت صيام شهرين على والدتها، وبعدما شفيت الأم اصابها مرض لم تستطع معه الصيام، وأطعمت عائلة فقيرة ثمانية أصواعا من الحنطة فهل يجزئها ذلك؟


الفتوى رقم (55) من المرسلة السابقة، تقول: لقد نذرت صيام شهرين على والدتي عندما كانت مريضة، وقد شُفيت والدتي من مرضها والحمد لله، وكان عمري عندما نذرت هذا خمسة عشر عاما، ولا أدري هل أنا قلت شهرين متتابعين أو لا؟ وعندما شفيت والدتي من المرض أصابني أنا مرض لا أقدر على الصوم، وسأل أحد أقاربي أحد العلماء فقال بأنه يطعم عني ستين مسكينا ونحن في البادية لا نعرف المساكين، ولكن عندنا صاحب عائلة فقيرة فقمنا بإعطائه ثمانية أصواع من الحنطة، والآن عمري ثمانية وعشرون عاماً، فما الحكم فيما مضى؟ وبماذا ترشدونني في المستقبل؟

الجواب:

        الرسول يقول: « من نذر أن يطيع الله فليطعه »[1]، وهذا نذر طاعة، وهو أنك نذرت أن تصومي شهرين، أما وصف التتابع لهذين الشهرين فهذا يحتاج إلى تثبت؛ لأن الأصل هو عدم التتابع بين الشهرين، أما تتابع أيام الشهر فإنه لا بد منه بالنظر إلى أنه لا يحصل شهر إلا إذا كانت أيامه متتابعة، وهذا بخلاف ما لو قلت: لأصومن تسعة وعشرين يوما، أو ثلاثين يوما، أو خمسة وثلاثين، فإنه لا يلزمك أن تصومي أيام الشهر متتابعة، لكن لما قلت: شهرا، فلا يسمى شهرا إلا ما كانت أيامه متتابعة، وكان الشهر قمرياً، وإذا عرض لك عارض من العوارض في الشهر الواحد من حيض أو نفاس فإن هذا لا يقطع تتابع الشهر؛ لأن هذا من الأمور القهرية عليك، فحينئذ تكملين ما بقي من أيام الشهر من أيام شهر آخر.

        وعلى هذا الأساس الصيام واجب عليك والإطعام الذي وقع منك ليس بصحيح، فمتى استطعت أن تصومي هذه الأيام فإنك تصومين.

        ومما يحسن التنبيه عليه أن الله أكرمك بما طلبت من ربك، وهو أن يشفي والدتك من المرض الذي ألم بها، فأنت كريمة عند طلب الشفاء، كريمة في النذر، ولكنك بخيلة من جهة الوفاء بالنذر لمّا أكرمك الله بشفاء والدتك، وكان عليك أن تسارعي بقدر الإمكان في صيام هذه الأيام شكرا لله -جل وعلا-.

        فالحاصل من هذا الكلام كله هو أن الواجب عليك أن تصومي شهرين، والتتابع ليس بلازم إلا إذا تحققت أنك ذكرت التتابع أو غلب على ظنك أنك ذكرت التتابع فحينئذ لا بد منه، وأن الأيام للشهر الواحد لا بد من تتابعها، وأن حصول الحيض والنفاس في الشهر والشهرين إذا تحقق التتابع أو غلب على الظن لا يؤثر في ذلك، وأن الإطعام الذي وقع منك لا يجزئك، وبالله التوفيق.



[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الأيمان والنذور، باب النذر في الطاعة(8/142)، رقم (6696).