معنى قوله تعالى:"وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ" في قصة يوسف عليه السلام
- فتاوى
- 2021-09-04
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1247) من المرسل ص.م.ب، من القصيم الشماسية. يقول: قال تعالى:"وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ"[1]، قرأت في تفسير هذه الآية أن زُليخة همّت بيوسف سوءاً، ولكن يوسف عليه السلام همّ بتركها، فإذا كان هذا تفسيرها على أن يوسف همّ بتركها، فما حكم قوله تعالى:"لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ"[2]؟
الجواب:
ظاهر قوله تعالى:"وَهَمَّ بِهَا"[3]، قدْ يُفهم أن يوسف عليه السلام همّ بارتكاب هذه الفاحشة، وقد يُفهم منه أنه همّ بتركها، وقد يُفهم منه أن الهمّ الذي وقع منه هو من الخواطر التي تخطر على النفس، وقد يُفهم منه أنه همّ بها يعني مالت طبيعته إليها، يعني كما يميل الإنسان إلى الطعام وإلى الشراب.
ولكن الذي يتتبع النصوص القرآنية التي جاءت ببيان هذه القصة يجد أن يوسف عليه السلام بريء من الهم بها، على أساس أنه همّ بفعل الفاحشة، والذي يدل على ذلك من هذه القصة أن الله جلَّ وعلا، قال:"كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ"[4]، فقد دلت هذه الآية على أنه بريء من الهمّ بفعل الفاحشة من أربعة وجوه:
الوجه الأول: أن الله جلَّ وعلا صرف عنه السوء، ولا شك أن الفاحشة مما يسوء، فصرفه الله عنه.
كذلك الوجه الثاني: الفحشاء فصرف الله عنه الفحشاء، كما صرف عنه السوء.
الثالث: أن الله جلَّ وعلا أضافه إلى نفسه بقوله:"إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا"[5]، وهذه الإضافة من العبودية الخاصة، كما في قوله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ"[6]، فهي إضافة تشريف، وتكريم، فإضافة الله هذه العبودية إليه جلَّ وعلا دليل على أنه مُشرف، ومُكرّم، ومُعظم عند الله جلَّ وعلا، ومن كان كذلك لا يقع منه الهمّ بفعل الفاحشة.
الوجه الرابع: أن الله جلَّ وعلا وصفه بأنه من المُخلصين، وهذه الكلمة فيها قراءتان:
المُخلَصين باسم المفعول، والمُخلِصين باسم الفاعل، وعلى كلا القراءتين فهو مُصطفى، ومختار اختاره الله جلَّ وعلا، واختياره جلَّ وعلا له دليل على أنه لا يقع منه هذا الشيء.
كذلك زوج المرأة شهِد ببراءته u، فحكى الله عنه أنه قال:"إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29)"[7]، هذا اعتراف من الزوج على أنه بريء، كذلك شهادة الشهود، قال تعالى: "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ"[8]، فهذه شهادة الشاهد من أهلها بهذه الشهادة، فدلّ ذلك على براءته براءة مطلقه.
كذلك النسوة اللاتي ذكرن أن المراودة حاصلة منها، لا منه "وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ"[9].
كذلك من جهة المرأة صاحبة الموضوع أقرّت على نفسها فقالت:"وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ"[10]، وفي موضع آخر حكا الله عنها أنها قالت: "الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ"[11]، فهذه شهادة من الله جلَّ وعلا، وشهادة يعني اعتراف من المرأة، واعتراف من زوجها، وشهادة الشهود، فهذه الأمور كلها تدل على براءته عليه الصلاة والسلام.
يُضاف إلى ذلك أن العدو اللدود، وهو الشيطان، اعترف على نفسه بأن هذا الأمر لم يحصل من يوسف، وذلك في قوله تعالى:"قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83)"[12]، وقد ذكر الله جلَّ وعلا أنه من عباده المُخلصين، فدل ذلك على أن هذا لم يقع منه.
وبناءً على هذه الأمور التي دلّت على براءته عليه الصلاة والسلام، مما يُمكن أن يُفهم من ظاهر الآية، فهذه الوجوه تدل على أن ظاهرها على هذا الوجه ليس بمُراد.
وعلى هذا الأساس، فيكون الجواب عن قوله تعالى:"لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ"[13]، لولا يكون جوابها محذوفًا دل عليه ما قبله، وعلى هذا الأساس، يكون المحذوف - لولا أن رأى برهان ربه لهمّ بها -، وما قبل لولا وهو قوله:"وَهَمَّ بِهَا"[14]، هذا دليل على جواب لولا المحذوف، وليس جوابًا لها؛ لأن جوابها، وكذلك جواب أدوات الشرط لا يتقدم عليها في اللغة العربية، هذا جواب مُختصرٌ عن هذا السؤال، اختصرته لضيق وقت البرنامج، ولعل أن يكون فيه كفاية للسائل، والمُستمع. وبالله التوفيق.