Loader
منذ 3 سنوات

حكم نكاح اليد ونكاح الحيوانات، وهل يفسد الصلاة والصوم


الفتوى رقم (71) من المرسل السابق يقول: ما حكم نكح اليد ونكح الحيوانات وسمعت من الناس أن الله لعن ناكح يده، فهل هذا صحيح؟

ويشارك في السؤال نفسه م-ح.ص.ب من سوريا ويزيد بسؤاله: هل نكح اليد يبطل صومه وصلاته؟

الجواب:

        أولاً: نكاح اليد ونكاح الحيوانات جاء تحريمه في القرآن، وجاءت أدلة في السنة على ذلك، فلا إشكال في تحريم كل واحد منهما.

        ثانياً: أن هذا العمل لا يكون مبطلًا للصيام، إذا لم يقع في وقت الصيام، وغير مبطل للصلاة أيضًا، وهذه النقطة من السؤال تنبه إلى أمر مهم وفيه خطورة، ويقع فيه الكثير من الناس؛ ذلك أن الكثير من الناس يعتقد أن الشخص إذا قام بمعصية، فإنها تكون مبطلة لجميع أعماله.

        وهذا هو مذهب الخوارج، الذين يكفِّرون بالمعصية، فإذا عَق أُمَّهُ مثلاً، يقولون هذا خارج من الإسلام، ولا يقبل له أي عمل.

        ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه مؤمن بإيمانه، وفاسق بكبيرته، فهذا يكون ناقص الإيمان.أما بقاء أصل الإيمان، فإنه لا يزال عنده.

        ومن أجل أن يتبين هذا الموضوع أكثر: فإن الشخص إذا كان موحدًا، فتوحيده لا يزيله إلا الشرك الأكبر، فهذا يزيل أصله.

        وإذا كان موحدًا، وأشرك الشرك الأصغر فهذا ينافي كمال توحيده.

         فالأول: إذا مات على شركه، فقد قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [1].

        وكذلك لمن أشرك بالشرك الأصغر، فهذا لا يغفر شركه، ولكن إما يدخله الله النار ويطهره فيها، وإما أن يأخذ ما يقابل هذا الشرك من حسناته، فالمقصود أنه لا يغفر؛ لعموم قوله: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ

        وأما إذا عمل كبيرة من الكبائر فحينئذ هذه الكبيرة إما أن يتوب منها قبل الموت، فإن تاب منها قبل الموت، فقد قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ  وأجمع العلماء أن هذه الآية في التائبين.

        والتائبون إذا تابوا من الشرك أو النفاق أو كبائر الذنوب، فالآية عامة في جميع التائبين، لكن التوبة قبل الموت، فالمقصود أن هذه الآية عامة في التائبين.

        أما إذا عمل الشخص من صغائر الذنوب، فإن صغائر الذنوب تكفرها الأعمال الصالحة، فالحج إلى الحج، والعمرة إلى العمرة، ورمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، والصلوات الخمس مكفرة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر، وقد جاء في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا}[2].

        فالحاصل من هذا الجواب كله: هو أن الشخص لا يخرج من الإسلام إلا إذا ارتكب الشرك الأكبر أو النفاق الأكبر أو الكفر الأكبر، وما دون ذلك إن كان شركاً أصغر، ومات عليه فإنه لا يغفر له ويدخله الله النار، أو يأخذ من حسناته ما يقابل ذلك.

        وفي كبائر الذنوب إذا مات عليها فهو تحت المشيئة إن شاء الله عفا عنه وإن شاء أدخله النار وطهره وأخرجه.

        وإذا تاب منها ومن غيرها من الذنوب قبل الموت، فإنه لا يعاقب عليها.

        أما صغائر الذنوب فتكفرها الأعمال الصالحة.

        وبناءً على هذا، فما ذكره السائل من أن العادة تكون مبطلة لصيامه وصلاته، هذا القول ليس صحيحاً؛ فصلاته وصيامه صحيحان، ولكن عليه إثم ارتكاب هذا الذنب.

        وأنصحهُ بتجنب هذا الأمر؛ بسبب آثاره السيئة على عقل الشخص وفكره ونفسيته، وعليه فإنه يحدث بلبلة فكرية، ويجعل الشخص غير مستقر الشخصية حتى في أعماله التي يزاولها.

        ومن القواعد المقررة أن الله لا ينهى عن أمر من الأمور ويكون فيه مصلحة راجحة، فهو لا ينهى عنه إلا لأن مفاسده تربو على مصالحه، ولذلك لما حرم الله الخمر قال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا}[3].

        فحرم الله الخمر بسبب مفاسده التي تربو على مصالحه، وهكذا في سائر مواقع النهي على سبيل التحريم الذي جاء في القرآن والسنة.

        وأنصح السائل بالتوبة إلى الله والإقلاع عن هذا الذنب، والندم، وألا يعود إليه لعل الله يقبل توبته، وبالله التوفيق.

 



[1] من الآية (48) من سورة النساء.

[2] من الآية (31) من سورة النساء.

[3] من الآية (219) من سورة البقرة.