Loader
منذ سنتين

حكم الأخذ من اللحية استدلل بالأثر الوارد عن ابن عمر


  • الأمر
  • 2022-04-30
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (1378) من المرسل أ.ع من الكويت -الجهراء، يقول: ورد في أثر عن ابن عمر م أنه كان يأخذ من لحيته ما زاد على القبضة. فهل يكون هذا الأثر حُجة لمن أراد أن يُأخذ من لحيته؟ وإن لم يكن حُجة فهل إقرار الصحابة له وعدم الإنكار عليه حجة أيضاً؟ ومن المعلوم أن فعل أحد الصحابة إذا لم يُنكَر عليه هذا الفعل وأقروه على ذلك يكون ذلك حجة؛ لأن أصحاب الرسول ﷺ لا يُقرون أحداً على منكر أبداً. نرجو توضيح ذلك.

الجواب:

        هذا السؤال في الحقيقة مهم بالنظر إلى أن السائل تطرق في سؤاله إلى عدة أمور:

        الأمر الأول: يتعلق في حلق اللحية أو التقصير منها، وإذا نظرنا إلى هذه المسألة وجدنا أن الرسول ﷺ قد أعفى لحيته، وخلفاؤه من بعده: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وسائر الصحابة؛ يعني: لم يُنقل عن أحد منهم إلا ما سيأتي التنبيه عليه مع أن فيه كلاماً من ناحية صحته، لم يُنقل عن أحدٍ منهم أنه كان يأخذ منها.

        فعندنا سنة الرسول ﷺ الفعلية، وعندنا سنته القولية، وعندنا سنة الصحابة التطبيقية لسنة الرسول ﷺ لهذه المسألة، فاجتمع عندنا سنته القولية، وسنته الفعلية، وسنة خلفائه وسائر صحابته التطبيقية لسنته القولية، وسنته الفعلية، وسنته القولية جاء فيها الأمر بإعفاء اللحية. ومن القواعد المقررة في علم الأصول: أن الأمر إذا تجرد عن القرائن التي تصرفه عن أصله، فإنه يدل على الوجوب، والقرينة التي تصرفه لا تكون إلا من الشارع، ولا تكون من المُكلفين الآخرين، فلم يُنقل عنه ما يدل على صرف هذه الأدلة التي جاءت دالة على تحريم حلقها، ودالة على وجوب إعفائها، لم ينُقل عنه ما يصرف عن هذا الأصل الذي هو الوجوب؛ وكذلك الأصل الذي هو تحريم الحلق؛ هذا هو الأمر الأول.

        الأمر الثاني: الذي تطرق إليه السائل ما ذكره في سؤاله عن الشخص الذي يأخذ من طول لحيته ومن عرضها، فهذا الذي ذكره السائل ليس بصحيح، وعلى فرض صحته فهذا اجتهادٌ من صحابي، واجتهاد الصحابي لا يُقابل سنة الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-؛ لكن الحديث ليس بصحيح؛ يعني: الأثر المنقول عنه ليس بصحيح. الأمر الثالث: الذي تطرق إليه السائل ما ذكره من إجماع الصحابة على ذلك، وهذا الإجماع الذي ذكره ليس بصحيح؛ لأن عمل الصحابة مخالف لهذا الأمر، فأبو بكر أعفى لحيته، وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم، فهم مخالفون له من الناحية العملية.

        ومن جهة أخرى من يقول: إن جميع الصحابة علموا عن هذا الأمر؟ فالصحابة منهم أناس كانوا في المدينة، ومنهم أناس كانوا متفرقين في مشارق الأرض ومغاربها، فدعوى أن الصحابة كلهم علموا بذلك وأنهم سكتوا عنه، ويأخذ من هذا أن هذا إجماع من الصحابة، هذا المأخذ ليس بصحيح.

        الأمر الرابع: الذي تطرق إليه السائل من جهة ما ذكره من أن قول الصحابي يكون حُجة، وهذا الكلام الذي ذكره يحتاج إلى مزيدٍ من التوضيح، وذلك أن العلاقة بين ما صدر من الصحابة رضي الله عنهم وبين الشريعة؛ إما أن يكون ما صدر من الصحابي مما لا مجال للرأي فيه، وحينئذٍ يكون له حكم الرفع إلى النبي ﷺ، وإما أن يكون ما صدر من الصحابي من اجتهاده؛ كتفسيره لآيةٍ من كتاب الله، أو اجتهاده في أمرٍ فقهي، فهذا الذي يصدر من الصحابي علاقته بالشريعة أنه بيان منه. والصحابة ليسوا معصومين في بيانهم للقرآن، وفي بيانهم للسنة؛ إلا ما سبق ذكره من جهة ما إذا كان ما صدر من الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه، وبهذا يُعلم أن الشيء الذي يصدر من الصحابي عن اجتهاد للرأي فيه مجال فإننا لا نأخذه كما نأخذ بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ؛ ولكن لا شك أن رأيهم أقرب إلى السلامة، ولهذا يقول الإمام أبو حنيفة -رحمه الله تعالى-: (إذا جاء الدليل عن رسول الله ﷺ فعلى الرأس والعين، وإذا جاء الأثر عن الصحابة أخذنا به إذا لم نجد ما يُخالفه، وإذا جاء الرأي عن التابعين فهم رجال ونحن رجال)[1]؛ يعني: نجتهد كما اجتهدوا. ومن المعلوم أن أبا حنيفة -رحمه الله تعالى- من التابعين.

        ويقول الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: (سنة الرسول ﷺ بيان للقرآن، وكلام أهل العلم بيان لسنة الرسول ﷺ).

 فنستخلص من هذا الكلام كله:

        أن ما ذكره السائل من الاستدلال على جواز القص من اللحية ليس له مُستند يصح الاعتماد عليه لما سبق إيضاحه.

        ومن جهة أخرى الشخص الذي يريد أن يُبرِّر لنفسه عندما يريد أن يتجه اتجاهاً، ويبرر لنفسه بأخذه بقول عالم من العلماء، أو يأخذ بقول صحابي مع مخالفته للأدلة؛ هذا يُخشى عليه من الزيغ، ويُخشى عليه من أن يُعاقبه الله -جلّ وعلا-.

        ويوجد أشخاص عندهم شذوذ في السلوك العلمي، يتتبعون الرُخص الموجودة في المذاهب، فتجده يتتبع الرخص في المذاهب؛ لأنها تُبرر المسار الذي يريد أن يسير معه.

        فعلى كلّ شخص أن يتقي الله فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين خلقه، وفيما بينه وبين نفسه؛ فإنه مسؤول عن الأمانة التي أؤتمن عليها، وكلّ شيء يُعتبر من الأمانة. وما ذكره السائل من إعفاء اللحية هذا داخل في عموم الأمانة، فلا ينبغي له أن يترك سنة قولية وفعلية، ويترك تطبيق الصحابة رضي الله عنهم لذلك، يترك كلّ ذلك ويأخذ برأي صحابي في ثبوته شك. وبالله التوفيق.



[1] ينظر: المبسوط للسرخسي(11/3).