Loader
منذ 3 سنوات

ما الذي بنيت عليه الشريعة أحكامها؟


  • القياس
  • 2021-06-19
  • أضف للمفضلة

الفتوى رقم (363) من المرسل السابق، يقول: على أي شيء بنت الشريعة الإسلامية أحكامها؟

الجواب:

الشريعة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ما يتعلق في باب التوحيد والإيمان.

والقسم الثاني: ما يتعلق بأفعال المكلفين، وهو ما يسمّونه بالفقه الأصغر.

وكلُّ من هذين القسمين منه ما استأثر الله بحكمته وبالمقصود منه، ومنه ما نصّ الله على حكمته، ومنه ما جعل للعلماء أن يستنبطوه بالاجتهاد.

فأما القسم الأول: وهو ما استأثر الله بعلمه؛ فكالعلم بكيفية صفاته، وما أخبر الله عنه من المغيبات التي لا يعلمها إلا هو، وكذلك الصلوات الخمس من ناحية كونها خمساً وليست أربعاً، وكذلك بالنسبة لأعداد الركعات لكلّ صلاة؛ وكذلك أعداد الأذان، وكذلك سائر الأمور المقدرة؛ هذه من الأمور التي استأثر الله بها من جهة الاقتصار على هذا العدد المحدد، فلا يزاد عليه ولا ينقص منه.

وهذه مطلوب على العباد أن يعتقدوا ما أراده الله، وأن يطبقوا ما كلّفهم به منه؛ لذلك يقول الإمام الشافعي: "آمنت بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله، وما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله".

فالعبد يعتقد ما أراده الله، ولا يدخل فيما هو من خصائص الله؛ بل عليه التسليم والانقياد.

وأما القسم الثاني: وهو ما نص الله على مقصوده منه، فهو كثير موجود في القرآن وسنة الرسول ، ففي مثل قوله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ"[1]، هذا فيه نص على مقصود الشارع من مشروعية القصاص، وذلك أن الشخص إذا أراد أن يقدم على قتل شخص عمداً وعدواناً، وعلم أنه سيقتل إذا قتله؛ فإنه يكف عن قتله، وبكفّه عن قتله تسبّب في حياة نفسه، والإنسان المتتبع لنصوص القرآن ولنصوص السنة يجد هذا واسعاً. والوقت لا يتسع لبسط الجواب عن هذا السؤال؛ ولكن الغرض هو الإشارة.

وأما القسم الثالث: وهو الحكم والمقاصد التي استنبطها العلماء، فهذا كما يأتي في باب القياس، وكما يأتي في باب المصالح المرسلة؛ هذا إذا نظرت إلى ما كتبه العلماء السابقون من الفروع الفقهية في هذا المقام وجدت أنهم يلحقون المسائل بأشباهها؛ نظراً إلى الاشتراك من ناحية العلة.

ومما يحسن التنبيه إليه -هنا- أن الحكمة لا يدور معها الحكم وجوداً وعدماً؛ وإنما يدور الحكم وجوداً وعدماً مع العلة.

والعلة بمفهومها العام أعم من الحكمة، فالنسبة بين العلة وبين الحكمة العموم والخصوص المطلق؛ بمعنى: إن كلّ حكمة يطلق عليها بأنها علة بالمعنى العام؛ ولكن لا يطلق على كلّ علة بأنها حكمة، والعلل ظروف للحكم.

فعلى سبيل المثال: السفر علة للقصر؛ ولكن الحكمة هي دفع المشقة عن المسافر، وهكذا بالنسبة للجمع بين الصلاتين؛ وكذلك كونه يتيمّم عند فقد الماء أو عجزه عن استعماله، وكذلك مسحه على الخفين في السفر ثلاثة أيام بلياليها، وهكذا.

فالمقصود أنه لا يوجد مسألة من مسائل الشريعة إلا وهي مبنية على مقصود للشارع، وهذا المقصود قد يكون مما استأثر الله بعلمه، وقد يكون مما نص عليه، وقد يكون مما جعل للمجتهدين الاجتهاد فيه من أجل استنباطه وإظهاره، وهذا من سماحة الشريعة، وكمال عدلها، ومن كمال شمولها لجميع الأمور التي يحتاج إليها الناس في أمور دينهم ودنياهم.

ومما يحسن التنبيه عليه أنه ينبغي على السائل أن يرجع إلى بعض الكتب التي اعتنت بهذا الموضوع من أجل أن يتنوّر زيادة، فمن ذلك ما كتبه الإمام الشاطبي في كتابه الموافقات؛ فقد أفرد جزءاً كاملاً عن المقاصد وقسّمها إلى قسمين، القسم الأول: مقاصد الشارع. والقسم الثاني: مقاصد المكلف؛ وكذلك ما كتبه العز بن عبد السلام في كتابه الذي بناه على المصالح، وقد أرجع الشريعة كلها إلى قاعدة المصالح. واسم الكتاب: قواعد الأحكام في مصالح الأنام.

وبالجملة الكتب التي ألّفت في بيان حكمة التشريع، أو ألّفت في بيان مقاصد الشريعة؛ لأن بعض المؤلفين يكتب مقاصد الشريعة، وبعضهم يكتب حكمة التشريع. ولعل في هذا الجواب المختصر مع التنبيه على بعض المراجع التي يرجع إليها السائل ومن أراد ذلك من المستمعين. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (179) من سورة البقرة.