معنى التصوف، وهل في التصوف شيء من الحق؟
- الفِرق
- 2021-09-05
- أضف للمفضلة
الفتوى رقم (1343) من المرسل السابق، يقول: ماذا تعني كلمة التصوف أو فلان متصوف؟ وهل في هذا التصوف شيءٌ من الحق؟
الجواب:
لفظ التصوف من الألفاظ الاصطلاحية، ويقصد بالألفاظ الاصطلاحية التي يصطلح عليها أهل علمٍ من العلوم، أو بلد من البلدان، أو مذهب من المذاهب، يضعون ألفاظاً ويريدون مدلولاتٍ خاصة.
وعلى هذا الأساس فكلمة تصوف لفظٌ من الألفاظ الوضعية العرفية، وهذه يختلف مدلولها باختلاف الجهة التي ترتبط بها.
فبعض الجمعيات تنتسب إلى شخصٍ يجرد نفسه من التقيد بالشريعة، ويسمّى هذا العمل تصوفاً؛ يعني: يجرد نفسه من جميع التكاليف، لا يتقيد بصلاةٍ ولا صيامٍ ولا حجٍ ولا زكاةٍ، ولا يتقيد -أيضاً- بترك المحرمات، فهو يترك الواجبات ويفعل المحرمات، ويقول لمريديه: إنه وصل إلى درجة سقوط التكاليف عنه، وهو بهذا يسمّي نفسه متصوفاً ويسمّي طريقته هذه صوفية، وقد يسميها صوفية إسلامية.
والإسلام بريءٌ من هذه التسمية، وبريءٌ من هذا العمل، ولا شك أن هذا اعتداءٌ على كتاب الله وعلى سنة رسوله ﷺ، واعتداءٌ على الأشخاص الذين يغرر بهم هذا الشخص ليكونوا تبعاً له.
ومنهم من يفسر الصوفية بالإيغال في العبادة، والانقطاع عن الدنيا انقطاعاً كاملاً إلى درجة أنه لا يقوم بشؤون نفسه.
ومن المعلوم أن الأشخاص الذين جاءوا إلى الرسول ﷺ يريدون أن يعرفوا سلوكه في مجال العبادة وغير ذلك، واحدٌ منهم قال: إنه لا يتزوج النساء، والثاني قال: إنه لا ينام، والثالث قال: إنه لا يأكل اللحم. وهؤلاء الثلاثة كلّ واحدٍ منهم سلك مسلكاً: فمنهم المتبتل، ومنهم الذي لا يفطر يصوم أبد الدهر، ومنهم الذي لا يأكل اللحم، فبلغ ذلك الرسول ﷺ فبيّن لهم أنه يتزوج النساء، وبيّن لهم أنه يأكل اللحم، وبيّن لهم أنه يصلّي وينام ويصوم ويفطر، وبيّن لهم أن هذه سنته، وقال ﷺ: « من رغب عن سنتي فليس مني »[1]، فلا شك أنه ﷺ بلغ درجة الكمال في تقواه بالله -جلّ وعلا-، ولهذا يقول الله في حقه:"وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ"[2]، فخلقه مع ربه ومع نفسه ومع المجتمع بلغ هذه الدرجة من العظمة.
فالشخص الذي يضع هذا المبدأ ويسميه تصوفاً إسلامياً، فهذا فيه إفراطٌ من جهة، وتفريطٌ من جهةٍ أخرى، فليس هذا من الإسلام؛ بل الإسلام يأمر بسلوك مسلك العدل، وينهى عن الإفراط والتفريط.
ومن الناس من يضع هذا الاسم لمبادئ يضعها، وتكون هذه المبادئ مخالفة لدين الإسلام؛ كالأشخاص الذين يعتقدون أنه ينزل عليهم الوحي، ويسجلون هذا الوحي ويجعلونه مبادئ للناس، ويجعلون الناس يعرضون عن دين الله ويتبعون هذه المبادئ؛ بناءً على أن واضع المبدأ يغرّرهم بأن هذا وحيٌ نزل عليه من الله -جلّ وعلا-. ولا شك أن هذا افتراءٌ على الله -جلّ وعلا-، فلا يجوز للشخص أن يسلك هذا المسلك، ولا يجوز لأحدٍ أن يتبعه عليه.
وبالجملة فكلّ عملٍ وكلّ قولٍ يُعرض على كتاب الله وعلى سنة رسوله ﷺ فما وافقهما قُبل، وما خالفهما رُد؛ لإن الرسول ﷺ قال:« تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي ».
فعلى المسلم أن يتمسك بهدي الرسول ﷺ، يكون بذلك متبعاً لكتاب الله ولسنة رسوله ﷺ. ولا ينبغي له أن ينساق مع كلّ ناعق؛ بل عليه أن يعرض الأمور على كتاب الله وعلى سنة رسوله ﷺ فما وافقهما قبله وما خالفهما تركه. وبالله التوفيق.
[1] أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح(7/2)، رقم (5063)، ومسلم في صحيحه، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه (2/1020)، رقم(1401).