Loader
منذ سنتين

السؤال عن أسباب الفطر الشرعي في رمضان


الفتوى رقم (1538) من مرسل لم يذكر اسمه، يقول: ما أسباب الفِطْر الشرعية في رمضان؟

الجواب:

        هذا السؤال له أهمية كبيرة بالنظر إلى كثرة وقوعه من الأفراد المكلَّفين، ووجود التباس في بعض المسائل على بعض المكلفين، فمن الأسباب الشرعية:

        السبب الأول: السفر، فالمسافر من حيث الأصل مُرخَّص له في الفِطْر؛ ولكن السفر قد يكون مشروعاً، وقد يكون ممنوعاً، فالممنوع كسفر المعصية، وكالذي يسافر من أجل أن يفطر؛ فأما سفر المعصية فلا يجوز للمسافر أن يفطر فيه؛ لأن الإذن له بالفطر من باب التعاون على الإثم والعدوان، والله قد نهى عن ذلك في قوله تعالى:"وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"[1]. فبما أنه نهى خَلقَه أن يتعاونوا فيما بينهم بالإثم والعدوان، فهو -جلّ وعلا- مُنزَّهٌ عن الإعانة على الإثم والعدوان، مع أن المسافر سفر معصية بإمكانه أن يتوب، ولا يلتبس هذا بالإنسان الذي يعصي في سفره الذي يعصي في سفره له أن يُفطر، فإذا فرضنا أن شخصاً سافر سفراً مشروعاً؛ ولكنه عصى الله في سفره، فهذا لا مانع من أن يترخص في الفطر؛ لكن الذي يسافر من أجل أن يسرق، أو يروِّج شيئاً من المحرمات؛ كالمخدرات والمُسْكِرات وما إلى ذلك، فهذا لا يجوز له أن يترخص برخص السفر؛ كذلك بالنسبة للإنسان الذي يسافر من أجل أن يُفطر، هذا لا يجوز له أن يفطر؛ لأن من القواعد المقررة في الشريعة معاملة الإنسان بنقيض قصده، فهذا يُعامل بنقيض قصده وهو حرمانه من الفطر؛ أما إذا كان السفر مشروعاً؛ كالإنسان الذي يسافر لطلب العلم، أو لعمرة، أو لحج، أو لتجارة، أو لغير ذلك من الأمور المشروعة؛ فهذا له أن يفطر في سفره إذا كانت مسافة السفر ثمانين كيلو تقريباً، هذه هي المسافة التي يترخص فيها المسافر؛ هذا هو السبب الأول.

        السبب الثاني: المرض، فالمرض يَعرِض للإنسان في رمضان، والله -جلّ وعلا- بيَّن في كتابه أن المريض يفطر، ولكن هذا يحتاج إلى تفصيل، وبيان ذلك:

        أن الشخص قد يكون مريضاً مرضاً لا يُرجى بُرْؤهُ على الإطلاق، فهذا يفطر ويكفّر عن كلّ يوم بإطعام مسكين وهو نصف صاع من البُر.

        الثاني: المريض الذي يُرجى برؤه، وهذا له حالات:

الحالة الأولى: أن يزيد الصيام في مرضه.

والحالة الثانية: أن يستقر المرض فلا يجوز.

والحالة الثالثة: ألّا يتأثر في صيامه بالمرض.

        ففي الحالة الأولى إذا كان يزيد، وكذلك إذا كان يستقر يفطر، وأما إذا كان الصيام لا يؤثر عليه في مرضه، فإنه لا يجوز له، ولو أن الشخص الذي يصوم، وإذا صام، فإن المرض يستقر على حاله أو ينقص؛ يعني: إذا صام فإذا كان ينقص فهذا -أيضاً- لا يفطر؛ لأن الصيام أصبح علاجاً له.

        فالمقصود: أنه لا بدّ من النظر في حالة المريض. وإذا كان الصيام يضره، فإنه يفطر ويقضي، وإذا كان لا يضره، فإنه لا يجوز له الفطر.

        السبب الثالث: الحيض، وهذا سبب قهري يأتي للمرأة، فلا يجوز لها أن تصوم، ولا يصُح منها إذا صامت؛ بل تفطر وتقضي بعد ذلك.

        والسبب الرابع: النفاس، والنفاس -أيضاً- كالحيض لا يجوز للمرأة أن تصوم، وإذا صامت فإن صيامها لا يكون صحيحاً.

        والسبب الخامس: الحامل، فإذا كانت المرأة حاملاً فقد تخشى على نفسها، وقد تخشى على ولدها، فإذا كانت تخشى على نفسها فإنها تفطر وتقضي، وإن كانت تخشى على ولدها فإنها تفطر وتقضي وتكفّر عن كلّ يوم بإطعام مسكين.

        والسبب السادس: المُرضِع، فالمرأة إذا كانت مرضعاً فخافت على نفسها، أو خافت على ولدها؛ فإنها إذا خافت على نفسها تفطر وتقضي، وإذا خافت على ولدها فإنها تفطر وتقضي وتكفّر عن كلّ يوم بإطعام مسكين.

        والسبب السابع: الشخص إذا كان كبيراً ذكراً أو أنثى، فإذا كان كبيراً لا يستطيع الصيام، فهذا يفطر ويطعم عن كلّ يوم مسكين؛ لأن هذا لا يطيق الصيام لا في الحاضر ولا في المستقبل.

        والسبب الثامن: أحببت أنه أُنبِّه عليه مع ما بعْده بالنظر إلى أنه يلتبس على بعض الناس، فمن ذلك النسيان بعض الناس يعتبره سبباً شرعياً للفطر؛ يعني: إن الشخص إذا أكل ناسياً، فإنه يكون قد أفطر، وحينئذٍ عليه القضاء.

        والحكم في هذا أنه إذا أكل ناسياً أو شرب ناسياً، فإنه يكمل صومه وليس عليه القضاء؛ لأن الرسول -صلوات الله وسلامه عليه-قال: « من أكل أو شرب وهو ناسٍ، فليُتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه »

        والتاسع: وهو من جنس الثامن، وهو الاحتلام، قد يحتلم الشخص في أثناء صيامه، ويظن أن الاحتلام سبب من الأسباب الشرعية للفطر؛ بمعنى: إنه يكون قد أفطر.

        وقد سأل بعض الأشخاص عن ذلك بالفعل؛ يعني: احتلم وأكل بناءً منه على أن الاحتلام مما يفطر به الصائم!

        والجواب عن ذلك هو أن الاحتلام لا يفطر به الصائم؛ لأن الاحتلام من الأمور القهرية التي تَرِد على الإنسان ولا يستطيع منعها، ومن حكمة الله -جلّ وعلا- ورحمته أن لم يُرتِّب على هذا الشخص فطراً. هذه جملة من الأسباب الشرعية المُعتَبَرة، وذكرت سببين من الأسباب الشرعية؛ ولكنها ليست بمعتبرة من ناحية الفطر، ولكنها معتبرة من ناحية عدم تأثيم الشخص. وبالله التوفيق.



[1] من الآية (2) من سورة المائدة.