Loader
منذ 3 سنوات

حكم صلة الرحم للفقير الذي لا يستطيع السفر لصلة رحمه


الفتوى رقم (1712) من المرسل م. م. ع من الأردن- عمَّان، يقول: أنا مسلمٌ على مذهب الشافعي، وأسأل عمّا يلي:

أولاً: ما حكم الدَّين في قطع الرحم للعائلات الفقيرة؛ نظراً لكثرة الأولاد التي لم تستطع إيصال الرحم؛ لغرض ضريبة كبيرة هي ضريبة السفر والخروج لدولةٍ ثانية؟

الجواب:

أولاً: إن السائل قال: أنا مسلمٌ على مذهب الشافعي، وهذه العبارة تحتاج إلى تصحيح؛ لأن الذين يسمعون هذا السؤال قد يظنون أن الشافعي له مذهبٌ خاصٌ في العقيدة؛ كما أن له مذهباً خاصا ً في الفقه، فالشافعي مذهبه في العقيدة هو مذهب أهل السنة والجماعة من الصحابة ومن التابعين ومن أتباع التابعين، وهذه العقيدة مستمدة من كتاب الله، ومن سنة رسوله ﷺ ؛ سواءً في باب التوحيد؛ توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ وكذلك في باب الإيمان، وفي باب الإسلام، وفي باب الإحسان، وفي جميع هذه الأبواب عقيدتهم واحدة؛ وعلى هذا الأساس لا ينبغي للشخص أن يقول: أنا مسلمٌ على مذهب الإمام أحمد، أو أنا مسلمٌ على مذهب فلان؛ بل يقول: أنا على عقيدة أهل السنة والجماعة.

وكذلك بالنسبة لقوله: أنا مسلمٌ على مذهب الشافعي،كلمة مذهب الشافعي -أيضاً- لها جانبٌ آخر وهو الجانب الفقهي.

 ومن المعلوم أن الأئمة الأربعة: أبا حنيفة، ومالكاً، والشافعي، والإمام أحمد رضي الله عنهم كلُّ واحدٍ منهم مجتهد، وإن كان مالك تلميذاً لأبي حنيفة، والشافعي كان تلميذاً لمالك، والإمام أحمد كان تلميذاً للشافعي؛ لكن هذه التلمذة لم تؤثّر على كلّ واحدٍ منهم من ناحية أن يكون مقلّداً لمن قبله؛ بل كلّ واحدٍ منهم يصدق عليه بأنه مجتهدٌ مطلق يقرر القواعد بنفسه، ويستنبط فقهه من هذه القواعد، وسواءٌ كانت هذه القواعد من ناحية الأصول، أو كانت من جهة قواعد الفقه، أو كانت من قواعد مقاصد الشريعة؛ فهو يقرر القواعد لنفسه، ويستنبط من هذه القواعد فقهه، وقد يكون مصيباً، وقد يكون مخطئاً في بعض المسائل؛ فإن المجتهد إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطا فله أجرٌ، وخطؤه معفوٌ عنه، وهذا بالنظر إلى قول السائل: أنا مسلمٌ على مذهب الشافعي.

وأما بالنسبة لما سأل عنه من ناحية قطع الرحم لما ذكره من السببين:

السبب الأول: قلّة المال بالنسبة له، وكثرة ما يؤخذ عليه من الضرائب.

السبب الثاني: بُعْد المسافة بينه وبين رحمه.

وهذه المسألة ترجع إلى قاعدة من قواعد الشريعة، وهذه القاعدة المشقة تجلب التيسير، وهذه القاعدة متقررة من أدلة كثيرة في القرآن والسنة، وعمل بها الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، وعندما تطبّق هذه المسألة على هذه القاعدة؛ فإن الشخص لا يكون مكلّفاً بالنسبة للسفر، ولا بالنسبة للمال فيما يتصل بصلة الرحم إلا في حدود استطاعته، فإذا استطاع السفر وكانت الرحم ممن تجب عليه صلته؛ فإنه يسافر وإذا حصل عنده زيادة في المال ورحمه هذا محتاج، فإنه يعطيه من هذا المال المتوفر؛ أما إذا كانت هذه الصلة سترتّب عليه مفسدة محضة، أو مفسدةً راجحة، أو مفسدة مساوية للمصلحة؛ أو إنها ستفوّت عليه أعلى المصلحتين، أو إنها سترتّب عليه أن يرتكب أعلى المفسدتين مع دفع أعلاهما؛ فليس هذا بمأمور بأن يصل هذه الرحم؛ لأن الشريعة مبنية على جلب المصالح وعلى درء المفاسد. وبالله التوفيق.